الليل إلا ما كان يجري في عروقهما من دم متدفق مشبع بحرارة الشباب.
ثم عادا إلى باريس، وقد تأبط سعيد ذراع كلوديت، وأسندت هي رأسها إلى رأسه، وكانت تحدثه عن الحب الخالد، وارتباط القلوب الأزلي، وكان هو يؤكد لها ذلك أيضا، ويشكر المصادفات التي أدت إلى تعارفهما والجمع بينهما.
ولما أخذا مكانيهما في القطار، قال لها الفتى على حين غرة: لقد نسيت منهجك في الغابة. .
قالت: وأي منهج تعني؟
قال: كتاب (العقد الاجتماعي).
قالت: شيء تافه. . وإني لأرى يا حبيبي الآن أن أقر لك بحقيقة الأمر. . . إنني لست من أتباع روسو ولا غيره. . رأيتك تقف عند بائع الكتب القديمة فرأيت في ملامح وجهك بأنك من أهل الشرق الذين تكتنف نفوسهم الغموض والأسرار. فهذا الشعر الأسود وهاتان العينان البراقتان، وهذان الحاجبان المقطبان، وهذا الأنف القوقاسي، وهذه الذقن المعوجة، وهاتان الشفتان المنفرجتان. . . وهاتان الوجنتان البارزتان. . . كل هاذ ما حدا بي لكي أتحرش بك. . . أما كتاب روسو فقد وقع في يدي مصادفة وكان من حسن حظي أنني عرفت عنه شيئا. . . والآن دعنا من هذه القصة فانك لي أفضل من كل العقائد. . أنت لي إلى الأبد. انس هذا الحادث. . . لقد نسيت أنا أهلي من أجل الحب!. . .
وبلغا باريس وافترقا على أن تزور كلوديت سعيدا في فندقه في مساء اليوم التالي.
لم يدر سعيد ما الذي حدث له في تلك الليلة، فقد كان قلقا وكانت نفسه مضطربة، وكان في حيرة من عبث هذه الفتاة الباريسية بالمبادئ والعقائد وما إن طلع النهار حتى رحل من الفندق إلى غيره. . وقال لصحابه (قل لمن يسأل عني بأنني عدت إلى الشرق). .
وبعد مرور شهر على هذا الحادث، مر سعيد برفوف الكتب القائمة على ضفة السين بالقرب من جسر سان ميشيل فشاهد منظرا مروعا.
شاهد شابا شرقيا يساعد كلوديت في جمع كتب تناثرت على الأرض. . .