اجتازت الدبلوماسية الأوربية منذ نهاية الحرب الكبرى ثلاث مراحل: الأولى مرحلة التصفية وهي التي شغلت فيها الأمم الظافرة والمهزومة معا بتصفية التركة الفادحة التي خلفتها الحرب، واحتملت الدول المهزومة معظم تبعاتها وأَعبائها. والثانية يمكن تسميتها بمرحلة عصبة الأمم ولوكارنو، وهي المرحلة التي اشتد فيها ساعد العصبة بمؤازرة الدول الظافرة وانضمام ألمانيا المهزومة إليها لأول مرة بعد أن قامت بتأدية معظم الأعباء والمغارم التي فرضت في معاهدة الصلح؛ وفي أثنائها أيضا تقدمت فكرة السلامة المشتركة تقدما عظيما، فعقد ميثاق لوكارنو لتأمين سلامة حدود الرين بين ألمانيا وفرنسا وبلجيكا، وعقد مؤتمر نزع السلاح واستمر حيناً يباشر أعماله، وعقد ميثاق تحريم الحرب الذي اقترحته أمريكا على دول العالم، وقد استمرت هذه المرحلة حتى سنة ١٩٣٢. والمرحلة الثالثة، مرحلة السياسة القومية العنيفة، وعود الدبلوماسية الأوربية إلى أساليبها القديمة من عقد المحالفات والمواثيق العسكرية الظاهرة والخفية، وتكوين الجبهات الخصيمة، والتسابق في التسليح، وهذه هي المرحلة التي تجتازها أوربا اليوم.
ولاشك أن هذه المرحلة هي أخطر وأدق مرحلة انتهت إليها الدبلوماسية الأوربية مذ عقدت معاهدة الصلح (معاهدة فرساي) ولاشك أيضاً أنها تسير بأوربا إلى موطن الفصل
وتنقسم أوربا اليوم إلى معسكرين واضحين هما معسكر الدول الفاشستية التي تتخذ شعارها القومية المتطرقة والعسكرية المتوثبة والتسليح الشامل، وقوام هذه الكتلة إيطاليا الفاشستية وألمانيا النازية. ومعسكر الدول الديمقراطية إذا صح التعبير، وشعارها السلام المسلح، والاستعداد لدفع الاعتداء الذي قد يقع عليها من الدول الفاشستية، وقوام هذه الكتلة إنكلترا وفرنسا تؤازرهما روسيا السوفيتية.
وهذا التطور الحاسم في سير الدبلوماسية الأوربية، وتحولها من ميدان التعاون السلمي الذي عملت فيه من قبل إلى ميدان التنابذ والخصومة المسلحة يرجع قبل كل شيء إلى عنف الفاشستية الإيطالية والألمانية والى شهواتها وأطماعها المغرقة وإلى اعتدادها بالقوة المادية