ونظرة واحدة إلى المواد التي شاء أن يلم بها ترينا ما بدل صاحبها من قلبه وعقله في التحليل والاستقراء، معالجاً الأدب اليوناني وتاريخ اليونانية القديمة، والفصاحة اليونانية وتاريخ الفلسفة اليونانية حتى أفلاطون. وبعض نظرات عميقة ينفذ بها إلى بعض فلاسفة أو شعراء. وقد قدر بنفسه أنه منجز خلال سبعة أعوام أو ثمانية درس كل ما يتعلق ببراعة اليونان. واقدم على المفادة بعشر سنوات من عمره ليكمل درس المسألة اليونانية من جميع وجوهها، ولكن - ويا للأسف - ظلت هذه الأفكار صوراً مقتضبة ومقاطيع صغيرة غير كاملة. لان صحته المختلة حالت بينه وبين تقديم ما ينبغي له لمثل هذا الامر، فانثنى عن عمله هذا، ولكن الصور التي تركها تكاد لا تخفى عنا الفكرة العامة التي أراد نيتشه أن يصورها وينشرها
يعتقد نيتشه بما اعتقد به معلمه (شوبنهاور) بان جوهر الوجود هو الإرادة، وهذه الإرادة واحدة عند كل الكائنات، وهي تتجلى بثباتها وقوتها في جثمان الخليفة؛ على أن هذه الإرادة هي شقية تفتقر إلى الرحمة لأنها تثابر على الجهاد والمقاومة في هذا الوجود، وهي موقنة عالمة أن نتيجة المعركة عليها لا لها. (وهل الحياة إلا أن تريد شيئاً بدون سبب، وان تتألم دائماً، ثم لا ينتهي الألم إلا بالموت. . . وهكذا تقابل الحياة الأحياء حتى يتفطر الكون ويعمر فساده). أن الوجود في نظر العقل غير كامل، لان نواقصه كثيرة، وعنصر الألم فيه غالب على السعادة والراحة، وبهذا يقضى على العقل أن يطوي الإرادة على نفسها ويسحقها من وجوده، وإذا أنعدمت الإرادة أنعدم الوجود نفسه، لان الوجود ما هو إلا الإرادة الفعالة، ولكن نيتشه لا يذهب إلى هذه النتيجة التي أدركها (شوبن هاور). فالوجود الذي لا يكمل في نظر العقل - عند (شوبنهاور) - فانه يكمل كأثر فني يحمل إلى صاحبه الغبطة الفنية. وفي مثل هذا الافتراض الذي يفترضه نيتشه يرى من واجب كل إنسان أن يستنفد