أعلنت مصر في ٨ تشرين الأول سنة ١٩٥١ إلغاء معاهدة سنة ١٩٣٦ واتفاقيتي ١٨٩٩ على لسان رئيس وزرائها في بيانه الحاسم الجامع في مجلس النواب المصري. ولقد أستقبل الناس هذا النبأ بالدهشة والوجوم في إنكلترا. وبالسرور والتقدير في الأقطار الشرقية وبعض الأقطار الأوربية والأمريكية المحبة للسلام والديمقراطية، ففي هذا الإلغاء معنى رائع من معاني الوعي واليقظة، كما إن لهذا الإلغاء نتائج خطيرة ذات أثربعيد في حياة الشعوب التي لا تزال تقاسي من المستعمرين والاستعمار ألونا من الضغط والإرهاق وأنواعا من الظلم والعذاب. في هذا الإلغاء دليل قاطع على رغبة الشعوب الشرقية في التحرر والانطلاق وعلى إنها لم تعد تصبر على الأساليب التي كانت تسير عليها دول الاستعمار في القرن التاسع عشر من ادعاء مسؤولية المحافظة على الأمن والنظام في البلاد المتأخرة ومن انتحال التبعات في تمدن الرق وترقيته، وعلى أساس هذه التعليلات كان المستعمرون (وفي مقدمتهم بريطانيا) يقاومون الحقوق الوطنية والنهضات القومية.
لقد أقدمت مصر على الإلغاء والتخلص من قيود الاستعمار بعد أن صبرت طويلا، وبعد أن قامت بمداولات واتصالات متعددة ومفاوضات متكررة، ولكن الجانب البريطاني - وقد سار بعقلية القرن التاسع عشر - أبى أن يخضع للحق الصراح والحجج الدامغة؛ كما أبى أن يدرك حق الشعوب في الحياة الحرة الكريمة حق مقدس قامت على أساسه مبادئ هيئت الأمم المتحدة، أقول: لقد أبى الجانب البريطاني أن يخضع وأبى أن يدرك أن الشعوب في القرن العشرين لا تحكم بعقلية القرن التاسع عشر، ولا بالأساليب الرجعية، فكان هذا التمرد على الاستعمار وقيوده في الهند وإيران والملايو ومصر، وكانت هذه الثورات على الظلم والطغيان.
لقد استهترت بريطانيا بحقوق الشعوب واستهانت بكرامتهم ولم تقيد نفسها بما توجبه عليها المعاهدات من التزامات وواجبات بل راحت تسير في معاملة مصر على أساس الاستغلال والاستعباد والاستخفاف بالعقول والحقوق.
وقد يسأل أحد الناس: ألم يدرك العب البريطاني - وقد بلغ شأوا بعيدا في التقدم المادي