أظهرت في المقال السابق الوجوه التي تربط بين التعليم والحالة الاجتماعية، وعددت كثيراً من التأملات التاريخية التي قد يكون لها اتصال كبير أو صغير بالحالات الجديدة التي تكتنفنا، غير أن الاقتصار على تعديد وجوه الارتباط بين التعليم والحالة الاجتماعية، والقول بأن التعليم يجب أن يتجه اتجاهاً اجتماعيا، أمر يجب أن يعزز بإظهار المخاطر الشديدة التي يتعرض إليها كياننا الاجتماعي من جراء الفصل بين سياسة التعليم، وبين ملابساتها الاجتماعية
ولقد ظهر في العهد الأخير أن القائمين بأمر التعليم قد اضطروا في مواقف عديدة أن يتجهوا إلى معالجة بعض الأمور علاجاً قائماً بعض الشيء على طبيعة الحالات الاجتماعية. وإني لآسف إذ أقول إنهم لم ينجحوا فيما قصدوا إليه. وليس السبب براجع إلى قصور منهم، أو تقصير عن أداء واجباتهم كاملة، وإنما يرجع في الحقيقة إلى أن سياسة التعليم الحاضرة لا تواتيهم بكل الأسباب الضرورية التي تمكنهم من تنفيذ برامج تتفق وما تتطلب الحالة الاجتماعية من صنوف العلاج. ولا أريد أن أعدد هنا حالات بذاتها، وإنما أريد أن أبحث في مجمل الظواهر التي تترتب على الفصل بين سياسة التعليم والملابسات الاجتماعية، قدر ما تتيح لي تجاربي القليلة
كتب الفيلسوف هربرت سبنسر في أواخر القرن الفارط مقالاً عنوانه (الكائن الاجتماعي) شبه فيه بنية الاجتماع الإنساني بكائن متغضن، وأخذ يقيس الظواهر المتقابلة فيهما ويوازن بين حالات خاصة في جسم الفرد وجسم المجتمع. ولا شك في أن هذا الفيلسوف الكبير قد غفل عن أمر ذي بال جعل بحثه هذا محتاجاً إلى كثير من التحوير، بل لا نبالغ إذا قلنا إن غفلته عن ذلك الأمر قد أثرت في النتائج التي حاول الوصول إليها فجاءت مفككة غير موصولة ولا مؤدية إلى فكرة محدودة ينتهي إليها البحث. ذلك بأن بين الحي والكائن الاجتماعي فروقاً رئيسية تميز بينهما تميزاً لا يقف عند حد الظواهر، وإنما يتعدى إلى التكوين الوظيفي فيهما. وقد يعلم الذين يدرسون علوم الأحياء أن الحي يتكون من خلايا دقيقة هي وحدات بسيطة التركيب تحتوي على نواة هي سر الحياة فيها. ولكن اجتماع هذه