نفض الرافعي يديه من المعركة بينه وبين العقاد، ثم فاء إلى نفسه، وعاد إلى دار كتبه يطالع ويقرأ ويتزود. . . واختفى اسمه من الصحف والمجلات أشهراً، كان في أثنائها يتهيأ لإتمام كتابه (أسرار الإعجاز)، ويعمل في الوقت نفسه على جمع ما نشر من المقالات في الفترة السابقة وترتيبها، ليخرجها كتابا يسميه (قول معروف. . .)
على أن عنايته بشأن هذين الكتابين: أسرار الأعجاز، وقول معروف - لم يمنعه أن يكون له في كل يوم ساعات محدودة للقراءة والاطلاع. وكانت هذه الساعات المحدودة في اكثر لياليه تمتد من المغرب إلى منتصف الليل. وأستطيع أن أقول: إن هذه الفترة على ما كان يبذل فيها من جهد، كانت فترة جمام وراحة، لم ينعم بمثلها فيما بقي من حياته. وكنت بسميته يومئذٍ قريب العهد، ولكني كنت الصق أصحابه به؛ فكان لي به كل يوم ساعات: يقرأ لي واستمع إليه في داره، أو أماشيه في الخيال أو أُجالسه في القهوة أو اصحبه إلى السينما. وكان علي في هذه الفترة وفيما بعدها من الزمن، أن اقرأ ما يهدى إليه من الكتب، لأشير له إلى المواضع التي يجدي عليه أن يقرأها، ضنَّاً بوقته على قراءة ما لا يفيد. وكان لي وله في ذلك فائدة أيُّ فائدة؛ وكثيراً ما كان يدفع ألي بعض ما يرد إليه من الرسائل، لأرى رأي فيه وأشير عليه بالجواب أو أتولى ذلك بنفسي. وكانت هذه الفترة ذات اثر كبير في تكويني وتوجيهي في الأدب توجيهاً لم اكن اقصد إليه؛ كما تأثر هو بصحبتي في هذه الفترة تأثُراً وجهه في أدب الإنشاء توجيهاً لم يكن يعرف به منذُ نشأ في الأدب قبل ذلك بثلاثين سنة؛ فبدأ أسلوبه اكثر استواءعند عامة القراء، وكان قبلها يُتَّهَم بالغموض والتعقيد؛ كما عالج القصة فنجح فيها إلى حداً بعيد، إذ كانت القصة - وما تزال - أحبَّ ألوان الأدب