اليّ، على حين كان الرافعي لا يؤمن بفائدة القصة ولا يعترف بخطرها بين أبواب الأدب الحديث. فما هو إلا أن حملته على محاولتها فأنشأ قصته الأولى؛ ثم كأنما اكتشف نفسه من بعدُ فصار ما ينشئ من القصص هو احب منشأته إليه، وخطا بها إلى نفوس القراء خطوات. . .
ومن طريف ما يذكر في هذا الباب أنني كنت أنشئ القصص لمجلة الرسالة، لا أكاد أعنى بشيء غيرها من موضوعات الأدب، وكان حُسن وقْعها عند القراء يدفعني إلى الإجادة والاستمرار؛ ولكن قارئ واحداً كان يعيب علي ما اكتب، ولا يرضى مني أن تكون القصة هي كل ما أعالج من فنون الأدب، وكثيراً ما كان يقول لي:(يا بني، أن لك بياناً وفكراً ومعرفة، فلماذا لا تحاول أن تكون أديباً؟ أنه لا يليق بك أن تكون القصص هي كل ما تحاوله من ضروب الإنشاء. وإن فيك استعداداً لأكثر من ذلك. . .!) وما زال يلج علي ويكرر هذه الملامة حتى وقع في نفسي أنني أسئ إلى نفسي بمحاولاتي أن أكون قصصياً؛ فانصرفت عن القصة، وكانت أحبَّ إليّ، إلى فنون أخرى من الأدب، إلا ما أنشئ من (القصص المدرسية) التي أؤلفها لتلاميذي على أنها وسيلة من وسائل التربية لا باب من الأدب. ثم لم يمض بعد ذلك إلا قليل، حتى كانت القصة هي اكثر ما يعالج الرافعي من أدب الإنشاء، وكان له فيها فَوَاقٌ منسق. وحلَّت القصة محلها من تقديره بين أبواب الأدب. .!
وإذا كان في أذني الرافعي ذلك الوقر الذي يقطعه عن دنيا الناس، فان أسلوبه في الكتابة كان بعيداً عن فهم الكثير من ناشئة القراء. فلما اصطفاني بالودّ، أخذت على نفسي أن أكون أذنه التي يسمع بها ما يقال عنه، وما يرى القراء في أسلوبه، فكنت إذا جلست إليه ليملي عليّ أحاوره فيما يدق على الإفهام من أسلوبه، وما تنبو عنه أسماع القراء. ثم لا أزال به حتى يغير العبارة فيجعلها أدنى إلى الفهم وأخف على السمع. وكان ينكر ذلك عليّ أول أمره، بما فيه من اعتداد بنفسه وكبرياء، وكان أحياناً يوشك أن يغضب، وأنا أتلطف له وأحتال عليه؛ ثم لم يلبث أن رضي ذلك مني، فكان يملي علي العبارة من المقال، ثم يسألني:(ماذا فهمت مما كتبت؟) فإذا كان يطابق ما في نفسه مضى في إملائه، وإلا عاد إلي ما أملاه بالتغيير والتبديل حتى يتضح المعنى ويبين المراد. وبدا في النهاية أن يسميني