أما الفوائد التي تعزى إلى (تعليم اللاتينية واليونانية) من وجهة خدمات هذا التعليم لـ (تثقيف العقل وتقوية المحاكمة)
فمن الأمور التي تحتاج إلى إنعام النظر من وجوه عديدة:
فإن نظم المعارف السائدة في أوربا، كانت جعلت (الدراسة الثانوية الممزوجة بتعليم اللاتينية واليونانية) السبيل الوحيد الذي يؤدي بالطلاب إلى الدراسات العالية. ولا حاجة للبرهنة على أن عدم وجود سبيل آخر يؤدي إلى ميادين الفكر والثقافة الفسيحة، لا يمكن أن يعتبر دليلاً على عدم إمكان أيجاد سبل أخرى أقصر وأحسن وأنفع من ذلك السبيل. . .
كما أن ذكر الأمثلة الكثيرة عن أعاظم العلماء الذين كانوا من النابغين والمتقدمين في دروس اللاتينية، لا يمكن أن يبرهن على أية قضية كانت في هذا المضمار. لأن التفكير العلمي الصحيح يتطلب التساؤل - تجاه مثل هذه الأمثلة - عما إذا كانت اللاتينية من عوامل نمو عقول هؤلاء العلماء، أم أن مواهبهم العقلية كانت من أسباب تقدمهم في اللاتينية؟
ونرى من المفيد أن نوضح هذه القضية بمثال مادي: لنفرض أننا أخذنا حفنة من الحبوب وغربلناها بغربال معين؛ من الطبيعي أن هذا الغربال سيسقط الحبوب الصغيرة، وسوف لا يحتفظ إلا بالحبوب الكبيرة. فهل يجوز لأحد أن يدعي - عند ما يشاهد هذه الحبوب الكبيرة - أن الغربال سبب (تنمية الحبوب)؟
هذا من جهة، ومن جهة أخرى هل يجوز لأحد أن يدعي أن هذا الغربال هو الواسطة الوحيدة لانتقاء البذور؟ أو أن الغربلة هي أحسن الوسائط لهذا الانتقاء؟ وهل لأحد أن ينفي احتمال سقوط بعض الأنواع من البذور الثمينة والنافعة - مع ما يتساقط من الغربال؟ أو ألا يسلم باحتمال بقاء الأنواع من البذور الرديئة والمضرة، بين ما يبقى في الغربال؟
أننا لا نقصد في سوق هذا المثال وإيراد هذه الأسئلة أن ندعي أن (عمل اللاتينية في العقول لا يختلف عن عمل الغربال في الحبوب) بل إننا نود أن نقول: إن هذه القضايا