هذا الكتاب من الكتب الأدبية العصرية التي تستحق أن يطلع عليها الأدباء، فهو محاولة موفقة لتحديد الأزمان الجاهلية عند العرب، وربط كل أثر من آثار الأدب الجاهلي يحيل معين محدود بالتاريخ الهجري والميلادي معاً.
وقد استطاع المؤلف بهذا أن يبرهن على أن من الآثار الأدبية عند العرب ما سبق الهجرة بأكثر من سبعة قرون، في الوقت الذي يكاد يجمع رواد الأدب العربي على أن أقدم الآثار العربية التي بين أيدينا لا تتجاوز الهجرة بأكثر من قرن ونصف قرن.
ومما يجعل لنظريته آثاراً خطيرة أن من الأدلة التي اعتمد عليها بعض النقوش الأثرية التي يرجع تاريخها إلى سنة ٣٣ق هـ.
لقد اعتمد المؤلف على سلال الأنساب العربية، وتحيد المتوسط لعدد الأشخاص الذين أنظمتهم سلاسل النسب من عصر النبوة إلى (عدنان) عند العدنانيين وإلى (قحطان) عند القحطانيين؛ وقد وجد متوسط الأجيال العدنانية بين هذين الطرفين٢٢ , ٦٥٠ جيلاً ومتوسط الأجيال القحطانية بينهما ٣١ جيلاً؛ ثم تابع البحث فرأى أن هذين المتوسطين لا جدوى منهما ما لم يقدر العمر المتوسط لكل جيل في تلك السلال، فظل يبحث وينقب أكثر من عشر سنوات، اطلع في خلالها على مئات من المراجع غريبة وشرقية حتى اهتدى بعد طول الغناء إلى أن أنسب عدد لعمر الجيل هو ٤٠ سنة وقد ذكر من أدلته على هذا التحديد في كتابه ١٢ دليلا جعل آخرها مشتقاً من قوله تعالى في القرآن في سيرة بني إسرائيل الذين نزحوا من مصر مع موسى:
(فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض) ورجع إلى المفسرين فوجدهم قد أجمعوا على أن السبب في تحديد هذا العدد هو انقراض الجيل السابق الذي طبع على الذلة والمسكنة في مصر؛ ورجع إلى التوراة فوجد مصدقا لما بين يديه من القرآن ونصه هذا:
وبدا صار في مكنته كل أديب - بعد اليوم - أن يعرف تاريخ أي أثر أدبي للجاهلين إذا نسبت إلى قائلة، وقد طبق نظريته على كثير جداً من الشخصيات البارزة في تلك الأحقاب، وكان من أمثلته التي سأكتفي بها هنا حكيم العرب المشهور (عامر بن الطرب العدواني