للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القصص]

عبث أرستقراطي

للأستاذ نجيب محفوظ

في ذلك المساء من شهر مارس أزيَّن قصر الوجيه حامد بك عرفان بحلة لألاءة من الأنوار المتموجة ذات الألوان، مدت أسلاكها الكهربائية على سور الحديقة فتعانقت مع الياسمين والبنفسج. وتعلقت بأفرع الأشجار والنخيل، وتوجت بها شجيرات الورود المنتثرة على هيئة أهلة ونجوم. وكان أعجب ما في القصر هو ذاك البهو المتسع الأنيق الذي فرش بفاخر الأثاث وحليت جدرانه وأركانه بروائع الفن من صور وتحف، وترك في وسطه مكان رحب للراقصات والراقصين، أما في صدر المكان فقد امتدت ردهة إلى مقصف حافل، وإلى يمينها فيما يلي الشرفة المطلة على الحديقة احتلت فرقة الموسيقى الإيطالية مكاناً جميلاً. . . وانتشر فيما بين البهو والشرفة والمقصف والحديقة المدعوات والمدعوون الذين لبوا الدعوة للاحتفال بعيد ميلاد كوكو الصغيرة ابنة الوجيه عرفان بك وزوجه أنجي هانم عرفان. . . كانوا يجلسون أزواجاً وجماعات يتجاذبون أطراف الأحاديث حيناً بالعربية وأحياناً بالفرنسية ويتضاحكون بأصوات عالية رقيقة وخشنة وإذا دعت الأنغام قاموا للرقص والعناق. وقد شاع في الجو عطر وأنس وحرارة كأنها أنفاس المودة نفثتها الأعين والشفاه والصدور والأماني الهامسة

وكانت الأحاديث متنوعة، ولكنها تدور في الغالب حول موضوع واحد يتجاذبها كما يتجاذب النور الفراشة، وهو المرأة، ولا يُستثني من ذلك الجماعة التي كان محدثها الأول الأستاذ على الجميل الصحافي المعروف والنائب المحترم، فما خرج الحديث فيها عن الزواج واختيار المرأة الصالحة، وكان النقاش يحتدم بين المتجادلين من الجنسين بصورة عنيفة مضحكة. أما الوجيه نور الدين فكان يتوسط حلقة أخرى يروي فيها ما اتفق من قصص مغامراته الغرامية في العواصم العالمية ذوات الشهرة في الحب والجمال؛ وفي ركن منعزل امتاز وفرة من حوى من الشابات والشبان أقيمت مسابقة سرية لاختيار أقبح امرأة بين المدعوات واتجهت أبصار المحكمات والمحكمين إلى امرأة اتخذت مكانها تحت صورة الفنانة وابنتها (لفيجيه لوبرين)، وكانت عجوزاً إلا أنها تتصابى وتستعير من ألوان الجمال

<<  <  ج:
ص:  >  >>