كثر المال عند من يرونه كل شيء، ولا يرون معه محالا، فأقبلوا على إنمائه في نهم وحرص زاعمين إنهم به وحده وقادرون على امتلاك أطراف الأرض، ونيل أبراج السماء، وتسخير الأنس والجن
هذا هو زعمهم، فلم لا ينسيهم المال ما سواء، ويصرفهم عما عداه، وقد ضمنوا به كل مرغوب، وأمنوا به كل مكروه، فلا خوف من عوادي الدنيا، ولا حساب ليوم الحساب.
وإذا كان الغني حقاً هو من كفاء التعفف ريبة التهافت، وأبعده عن فضول الظنون، فإن المعيار الشائع في هذا الزمان، لا يعترف بأهمية العلو الخلقي في وزن قيمة الحياة، اعترافه بالدنيا مقبلة، والنشب نامياً، والذهب موفوراً!
والمال إن لم يأخذ بيد الإنسانية، ويشق لها في البر سُبلا كريمة، فهو لعمري - نقمة لا نعمة، وهو أشد النقم وأخطرها. أن أعان على أثم، وأبعد عن الله!
والنفس الفقيرة المنحطة، لا يغنيها المال ولا يرفعها، بل يقيم الدليل على تشبعها بالفقر المعنوي الوبيل، ويمكن لها في الانحطاط مستقراً فتردى في حمأته أيدا، إذ يتيح لها من الشهوات ما يعمي بصيرتها، ويصرفها عن التفكير فيما يبقى. إلى الإقبال على بلاء النعمة، والتشبث بما يزول!
وقد عاش كثير من ذوي النفوس الكريمة على هامش الحياة، يتململون إباء، ويتضورون حرماناً، ولكنهم ملكوا نفوسهم ولم تملكهم، وصرعوا الشهوات ولم تصرعهم، ولو خيروا بين حياتهم هذه وحياة مترفة تخرجهم على سلطان ضمائرهم لأبوا، لأن البون في تقديرهم يجل عن القياس بينهم وبين أولئك الأثرياء الذين لم يجنوا من وراء المال سوى الفقر والعمى، وليس في الفقر ما هو أشنع من فقر النفس، ولا في العمى ما هو أفظع من عمى القلوب!
والدنيا قد تقبل على الحوذي ويصبح من الأثرياء، فيزيد المال سوطه عنفاً وطغياناً، ويتجاوز به الحيوان إلى الإنسان، ويزعم أنه صار صاحب عزة، ناسياً أن المال الذي ظنه