للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[٣ - التعليم والحالة الاجتماعية في مصر]

للأستاذ إسماعيل مظهر

أرى واجباً عليَّ قبل المضي في موضوع هذا المقال أن أبدأ باستدراك لابد منه. فقد عاب عليَّ بعض أصدقائي من المفكرين أني أنكرت فيما كتبت ناحية ذات شأن من نواحي الحياة في مصر ولم أعرها التفاتاً. ويعتقد هؤلاء الأصدقاء أن لتلك الناحية خطرها في صبغ الحالة الاجتماعية في مصر بصبغة خاصة. ولو أنهم عنوا بتلك الناحية شيئاً غير الأزهر إذن لكان لما يعيبون به عليَّ من الوزن قدر غير يسير؛ أما وأنهم يعنون الأزهر ويقولون بأنه معسكر ثالث من معسكرات العوامل المؤثرة في الحالة الاجتماعية في مصر، ينبغي لنا أن نحسب حسابه، وأن نتناوله بالتحليل والنقد، وأن نزن أثره في تكييف الحالات الاجتماعية، فأكبر ظني أني لن أسلم برأيهم مهما ساقوا في سبيل إثباته من بينات. ذلك بأن بينة واحدة تكفي لهدم جميع ما يقيمون من دلائل، فأن القوى التي تؤثر في حالة اجتماعية بعينها، إنما هي القوى الموجبة لا القوى السالبة، والأزهر، ولا شبهة، قوة سالبة. قوة اتجهت بكل ما فيها من عوامل الحياة إلى الأخرويات لا إلى الدنيويات

وأنت ترى في كل الأطوار التي تقلبت فيها الأمم منذ بداءة العصر الإنتاجي الحديث أن القوى السالبة فيها انحصرت في فئتين: الأولى رجال الدين، والثانية رجال الحكومة، وهما بما فيهما من صفات السلب والمحافظة كانتا في كل الحالات دريئة طالما حمت جسم المجتمع من كثير من الهزات العنيفة والانقلابات الخطيرة التي يجنح إليها الغلاة من المصلحين أو السياسين، وإن لهذا الموضوع لظرفاً آخر غير هذا الظرف قد يتاح لنا فيه أن نبحثه بحثاً أوفى

فرغنا في مقالنا الثاني من الكلام في التطفل الاجتماعي وأحطنا ببعض ظواهره، وأثبتنا أن هذه الظاهرة تنخر في عظام مجتمعنا كما ينخر السوس الحب. واليوم ننتقل إلى ظاهرة اجتماعية أخرى، لا تقل عن ظاهرة التطفل الاجتماعي فعلاً وأثراً، تلك ما أسميه ظاهرة (الرجعية)، ولا أعني بها رجعية فكرية أو سياسية أو غير ذلك، فلو أنها كانت من هذا الطابع لهان الخطب، ولما أعرتها كبير اهتمام. ذلك بأني أعتقد أن بعض ظواهر الرجعية، كالرجعية الفكرية أو السياسية، وما يجري مجراهما، تحمل في تضاعيفها أسباباً تولد قوى

<<  <  ج:
ص:  >  >>