الشاطئ عامر ولكنه ليس بالمزدحم، والبحر مائج له زئير، والهواء هائج له صفير، والراية السوداء كالقافية المحزنة تتكرر على مسافات متساويات أو متقاربات؛ قافية محزنة والقصيدة مفرحة تضج بالحركة والحياة!. . . وهذا من عجيب النظم في شعر البحار والحمامات!
وإذا اتسع الأفق أمام العينين حتى كأنهما تنظران إلى مكان واحد، وتجاوبت الأصداء على الأذنين حتى كأنهما قد كفَّتا عن السماع بعد طول التكرار، فهنالك تنطلق الخواطر شتاتاً كما تنطلق خواطر الأحلام بعد تعطيل السمع والنظر، فهي تارة تستقصي إلى ما وراء الأعماق، وتارة تستقرب فلا تتجاوز أدنى المحسوسات، مما علق بالذهن قبيل لحظات معدودات
وهكذا جلست أرقب الشاطئ وكأنني أحلم بما أراه. ومن حق الشاطئ وايم الله أن يحسب في عداد الأحلام
هاهنا وهاهناك تماثيل من خلق الله في المعرض الحافل المتجدد: بعضها ولا ريب تحفة من تحف الخلق والتكوين، وبعضها ولا ريب لازم للمناوبة بين شعور الإعجاب وشعور الرثاء، أو للمناوبة بين إبداء المحاسن وإبداء العيوب
نعمة جزيلة وأي نعمة هذا الجمال الذي لا يقوم بمال
نعمة يستمتع بها أصحابها وغير أصحابها، وربما كان نصيب لابسيها دون نصيب الناظرين إليها، لأنهم يعرضونها ويعطونها والناظرون هم الآخذون
بل هم حريصون على عرضها وإعطاء العيون منها كل نصيب تشتهيه
وإلا فما بال هؤلاء العارضين قد تهيئوا لنزول الماء والماء لا يقبل النازلين فيه!
سيقولون: للشمس لا للبحر!. . . لا تصدقهم!. . . فالشمس أيضاً من وراء سحاب، قلما تسفر من ذلك الحجاب
إنما يتهيئون لحمام من أشعة النظر لا من أشعة الشمس ولا من أمواج الماء، ويا له من حمام مريء على الجمال