التحيات الطيبات لقبر غازي الندي الريان الجاثم على ضفاف دجلة الجميل، في ظلال النخيل، حيث يرقد قائد العرب فيصل العظيم في مضاجع الخلود. هناك في الحلل السود تحت خفق البنود رفرفت أرواح الأسى والأحزان، من كل الجيران والإخوان؛ وفي هذا اليوم العصيب عادت نساء الشام تسفح الدمع الصبيب، على المليك الحبيب.
إن في كبد الشام زفرات لا هبات، إذ كادت تجدد بيعة فيصل لشبله غازي وتمد إليه الأيدي على الولاء والوئام، ففقدت بموته أملها الباسم وعرشها الحالم، ولكنها عاهدت النفس أن يعيش من بعده أهلوها الأباة إما أعزة أحراراً أو يموتوا كراماً. هذا يوم له ذكراه الأليمة في قلوب العرب. النساء يشاركن العراق في الأتراح بعد أن شاطرنه الأفراح في عهد أشبال الحسين الصناديد من هاشم وعبد شمس، المناجيد في غوث العروبة اللهيفة التي قبَّل أبناؤها الغطارفة الصِّيد على أيديهم الشريفة صفحات السيوف ومسحوا عنها الدماء فاستراحوا في ظلهم الرطيب من غدر الزمان وظلم الإنسان.
لهفي عليك يا غازي يا عبقري الشباب لم تمتع بالشباب؟! لقد تركت قافلة العرب في حومة الصحراء، ظمأى إلى الماء، وكأنها أطبقت الجفون الوسنى على أحلامها فيك وهي تسري على الرمال فتخطفتك المنون من بين العيون، فروعت القافلة، وتهاوت أمانيها العِذاب، فتاهت في أسراب الرمال، وغابت منها الأشباح والظلال، تنادي الآمال وتنشد الرجال.
يا حسرتاه على النسر الطيار كيف هيض جناحاه، وكان في الثريا فهوى إلى الثرى، وثنى رأسه الأشم بعد أن علا بجبينه الوضاح وروحه القاحمة، فزاحم النجوم وحوم في آفاق