الميزانية البحث في جزية الباب العالي والدين العام، وكل ما فرضه قانون التصفية على الخزانة من نفقات.
وهال النواب وأغضبهم أن يكون ذلك باتفاق شريف مع المراقبين، فرفضوا ذلك وأصروا على أن ينظروا الميزانية كاملة، واعتبروا ذلك من الحقوق التي لا تقبل مساومة مهما يكن من الأمر.
وأخذ شريف المسألة من الناحية العملية، فلم يشايع النواب في نظرياتهم، وأخذ يطلب إليهم الأنات والحذر ويريهم عاقبة التطرف والتعجل، ولكنهم لم يلتفتوا اليه، وظهرت في الوزارة نفسها بوادر التفكك. فلقد كان البارودي يطمع في الحكم بعد شريف فكان لذلك يشجع الوطنيين في موقفهم سراً.
وكان سلطان باشا رئيس المجلس ينقم على شريف أن لم يسلكه في سلك وزارته فوجد في الخلاف القائم فرصة ينال بها من شريف فسرعان ما اتهم شريف بالاعتدال، ثم حمل اعتداله على الجبن والضعف. . . ثم بلغ الأمر إلى اتهامه بالخيانة.
ووقف الربان يواجه العاصفة في صبر وجلد، وهو يؤمل أن يجنح النواب إلى السلام والاعتدال، ونشط الشيخ محمد عبده في معونة شريف، ومما ذكره في هذا الصدد قوله:(لقد ظللنا ننتظر حريتنا مئات السنين، أفيصعب علينا أن ننتظرها بضعة شهور أخرى؟).
ثم بدا على الأفق بعد حين ما يبشر بقرب انكشاف الغمة! فلقد أخذ النواب يتدبرون عاقبة هذا التشدد، وبدأ العقل يتغلب شيئاً فشيئاً على العاطفة.