للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[نظرة عامة في شؤون الصحافة]

لصاحب العزة أنطون الجميل بك

كل شئ كان يغريني بالإقبال على التحدث إليكم هذه الأمسية في كثير من الارتياح، بل من الاشتياق.

فموضوع الحديث (الصحافة) موضوع شائق طريف، يتصل بعملي اليومي، فلا هو غريب عني ولا أنا غريب عنه.

والمحدثون صفوة من الشباب المثقف المتطلع إلى العلم والعرفان، المتوثب إلى الخوض في ميادين البحث والتفكير: طلبة معهد الصحافة، وغيرهم من الذين شرفوني بالحضور من أساتذة الجامعة ورجال الأدب والسياسة والجيش، وصاحبة الجلالة (الصحافة) حرية بمثل هذه البطانة الكريمة.

ومكان الحديث هذا، هيكل من الهياكل المقدسة التي أقامتها الأمم الراقية للحريات: حرية التفكير، وحرية البحث، وحرية الرأي والقول. في جوه تتقابل الأفكار، وتتصادم الآراء، فتشرق من اصطدامها أنوار الحقيقة واليقين ساطعة زاهية، لا تحجبها سحب الشك والرياء، ولا تشوبها شوائب المصانعة والمداراة. وما أشوق الصحفي الذي يكتب في ظل الرقابة والأحكام العرفية إلى مثل هذا الجو النقي الطليق يتنفس فيه ملء رئتيه! فالظروف إذن كلها مواتية للحديث: موضوعاً، ومكاناً، ومستمعين!

لقد وجدتَ مجال القول ذا سعة ... فإن وجدتَ لساناً قائلاً فقلِ

ومع كل ذلك ترددت في تلبية الدعوة التي وجهها إلى الزميل الصديق الأستاذ محمود عزمي لإلقاء هذه المحاضرة حتى كنت أحجم. لا لأني لم أجد اللسان القائل أو القلم الكاتب أمام جميع هذه الظروف المواتية والمغرية، بل لأن حصر الحديث عن الصحافة في محاضرة هي بطبيعتها ضيقة النطاق، محدودة المجال، ليس من الأمور السهلة في (معهد الصحافة) أمام طلبة يتلقون دروساً مستفيضة على أيدي أساتذة أعلام في أصول هذه الصناعة وفروعها وتاريخها، حتى حذقوا قواعدها وألموا بأسرارها وبكل ما يمت إليها عن قريب أو بعيد. لذلك كان اختيار موضوع هذا الحديث، على سعة المجال، صعباً. ولم يكن أمامي مفر من جعله يدور حول العموميات فأفرغته في لمحة عامة ونظرة إجمالية ألقيتها

<<  <  ج:
ص:  >  >>