قرأت مغتبطاً دراسة الدكتور للخرافة، وقوة أثرها في الجماعة؛ وأشهد لقد أحسن العرض وأتقن البحث، ثم وفق إلى كثير من الأمثلة الواقعية الجميلة التي استقامتها من أوثق المصادر، والتي تلقي ضوءاً على الموضوع؛ ولابد أن يكون القراء قد أعجبوا كما أعجبت بعمق ثقافته وسداد تفكيره
يقول الدكتور:(وللخرافة يد أخرى في الدفاع عن الملكية، فقد حاربت السرقة والسراق، وحمت مال الفرد والجماعة، وقضت على عامل كبير من عوامل الاضطراب. فالخرافة حلت محل القوانين والشرائع المختلفة في حماية الملكية الفردية والعامة لدى بعض الشعوب المتوحشة، وربما كان لها على نفوس معتنقيها سلطان لا يعدله سلطان قوانيننا المنظمة)
وهذا صحيح! فلقد شهدت فيمن شهد الرواية السينمائية الرائعة (ضحية المعبد) التي تصورت عادات القبائل المتوحشة في جزر البحار الجنوبية، وتبرز العقلية الأولية القاصرة في إطار وضيع مهين، وتتلخص في أن فتاة لا بأس بجمالها نذرت نفسها للرب وكرست حياتها لخدمته، فغدت عذراء مقدسة لا يتزوجها ولا يخاطبها ولا يمسها أحد من الناس. وشاء القدر العابث أن تعشق شاباً طويل القامة مفتول الذراعين، ويعشقها هو الآخر فيتغازلان ويجتمعان، ثم يهربان إلى جزيرة نائية خوفاً من عقاب (التابو)!! ذلك أن من يهاجم العذارى، أو يخرق حدودهن، وينتهك حرماتهن. جزاؤه الموت؛ أفلسن للإله وحده؟ فكيف يشركه في ذلك آدمي نجس؟. . . وراح رجال القبيلة يفتشون عن المجرم ويقتفون معالمه، وبعد لأي وجهد عثروا عليه فأوثقوه بالحبال ثم هووا به إلى قاع اليم فذهب ضحية المعبد. . .!!
والتابو وسم أو علامة يضعها المتوحش على باب داره مثلاً إن أراد حمايتها، وله بعد ذلك أن يهجرها ما شاء من السنين، فلن يجرؤ امرؤ على سرقتها أو دخولها. والتحريم الذي تخلعه هذه العلامة على الأشياء والأشخاص ليس كالتحريم الذي نعهده في شؤوننا الأخلاقية