للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[عياش بن أبي ربيعة]

لِلأستاذ كامل محمود حبيب

(يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم، لا تقنطوا من رحمة الله. إن الله يغفر الذنوب جميعا، إنه هو الغفور الرحيم. وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون. واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون).

(قرآن كريم)

الليل ساج والحياة نائمة، وعّياش في طريقه يتسلل في رقبة وحذر، وقلبه يضطرب خشية القوم أن يستشعروا فراره فيجلبوا عليه وهو يرد أن يفزع بدينه إلى المدينة. .

إلى حيث يجد الحرية والأمان. لقد كان - هو في طريقه - ينظر إلى الوراء، بين الفينة والفينة، يودع ملاعب الطفولة ومراتع الشباب للمرة الثانية، والعبرات تترقرق في محجريه، غير أنه ما كان ليأسى على شيء في مكة وفي قلبه الإيمان والصبر إلاّ على أن حُرم استجلاء النور الإلهي من طلعة النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا على فراق أمه وقد تعلق بها قلبه فما ينصرف عنها، وإلا على مال كثير خلّفه هناك كان يطمع ن يشد به عصبه؛ ولكن خياله كن يوحي إليه أن رفيقيه - عمر بن الخطاب وهشام بن العاص - ينتظران عند التَّنَاضُب من أَضَاةِ بنيِ غفار فوق سَرِف على أميال من مكة، فهو يهفو إليهما في غير أناة ولا تردد

وبلغ الفتى المكان فاطمأن قلبه أَنْ ألفى عمر بن الخطاب هناك يتشوفّ. . . وتنفس الصبح ولّما يبدُ هشام عند الأفق، فانطلقا معاً. . . ونزلا المدينة ينعمان بالحياة والإيمان لا يجدان من الضيق والعنت بعض ما كانا يجدان في مكة

وتناهى خبر عيَّاش إلى القوم من بني مخزوم فَغَدَوْا إلى أبي جهل والحارث يعيرونهما ويحثونهما: (أفَيَفرّ الرجل من بينكما ثانية ليكون لكما - على الدهر - عاراً وسُبَّة)، وأبو جهل يتلهّب من الغيظ والحقد وقد انطوت نفسه على أمر، والحارث إلى جانبه يقول: (وماذا عسانا أن نفعل في سفيه فَرّ مع سفهاء مثله؟) وثارت الحّمية حمية الجاهلية في رأس أبي جهل تستلبه الهدوء والاستقرار، والشيطان من ورائه يدفعه إلى أمر، فراح إلى

<<  <  ج:
ص:  >  >>