حينما وقف جلاد ستون في مجلس العموم البريطاني، وبيده المصحف؛ وقال قولته المشهورة:(ما دام هذا الكتاب في أيدي المسلمين فإنكم لن تسيطروا عليهم، ولن يلين لكم قيادهم). . . كأني أعرف بقوة الإسلام الكامنة من الكثيرين ممن يسمون أنفسهم مسلمين. لقد كان يدرك أن في هذا الدين من روح الاستعلاء، ومن قوة المقاومة، ومن عناصر الوحدة، ما يقف للرجل الأبيض بالمرصاد، وما يقاوم أسلحته ودسائسه وحضارته كلها جميعا.
ولكن المسلمين، أو من يقولون عن أنفسهم إنهم مسلمون، لم يدركوا ما أدركه الإنجليز المستعمر، فراحوا يبعثرون في سفه هذا الرصيد المكنون، ويستهينون في بلاهة بتلك القوة الكامنة، ويحسبون الذين رجعية، والعقيدة جهالة، والإيمان سذاجة، وأنهم لا يكونون مثقفين، ولا يكونون متحضرين، ولا يكونون قطعة من أوربا، حتى يتعروا من مقدساتهم، ويتخلوا عن عقيدتهم، ويتندروا بمن يحدثهم عن الإسلام كما لو كان يحدثهم عن الخرافات والأساطير.
ومن هذا الطريق تغلغل الاستعمار. ومن هذا الطريق طوقهم المستعمرون. ومن هذا الطريق ذابت دولهم وشخصياتهم ومقوما تهم واستقلالهم. ومن هذا الطريق طردوا إلى ذيل القافلة، وقد كانوا من قبل مأخذ الزمام.
ومكر الاستعمار، ومكر أذناب الاستعمار، بكل أثر للعقيدة، وبكل محاولة لاستنبات بذورها في الأرواح والضمائر. . في عالم القانون والقضاء نبذت شريعة الله، واستبدلت بها قوانين نابليون. . وفي عالم الوظائف والدواوين، نبذ أصحاب الثقافة الدينية، وأصبحت مراكز الحكم، ومراكز التوجيه كلها في الأيدي التي آمنت بالحضارة الغربية وكفرت بالدين. . وفي برامج التعليم ونظمه، أصبح الدين درسا إضافيا ميتا خارج الجدول، وحتى حين أدخل في الجدول، أدخل ميتا عقيما، والتاريخ الإسلامي انزوى في صفحات مشوهة ممزقة خبيثة.