[صاحب الجلالة فاروق الأول]
لم تر مصر في أرجح الظن قبل احتفالها بمقدم فاروق، قلبها يخفق
بالحب عن إخلاص، ونفسها تفيض بالإجلال عن حقيقة، ولسانها يجأر
بالدعاء عن عقيدة، وسوادها يتسابق إلى الاحتفال عن طواعية؛ فقد
كان ملكها الشاب منذ عودته من دار علمه إلى دار حُكمه مهوى أفئدتها
ونجوى ضمائرها ومجمع أمانيها وموضع إعجابها، لا تصدر في ذلك
عن رياء، ولا تنقل عن تقيد، ولا تعمل عن تكلف؛ إنما الطرقات
والشرفات والنوافذ كانت مسايل روحية تزخر بعواطفها الكريمة لملك
نَشَّأَته على طبعها وحسها، وأعدته لعرشها بنفسها، وعقدت على تاجه
المصري الخالص أملها في السلطان الحر والحياة العزيزة
أرأيت إلى الشعب الشكور كيف وقف صفين من رأس التين إلى قصر عابدين، ومن سراي القبة إلى مسجد الحسين، يلقي على ملكه المحبوب الولاء مبثوثاً في النظر، والرجاء مكنوناً في الهتاف، والإعجاب معلناً في التصفيق، فيلتقي شعوره بشعوره، ويمتزج هواه بهواه، فيصبح الشعب جسما رأسه فاروق، ويصبح فاروق رمزاً مدلوله الشعب؟
أرأيت إلى الشعب الفخور كيف احتشد مساء الجمعة حول آلات الراديو في الدور والأندية والمقاهي يستمع إلى مليكه الجديد وهو يقرأ فاتحة مُلكه السعيد بلغة عربية مبينة، ولهجة مصرية فصيحة، فانفعل بحزن الملك البار، وبكى من هذا الانفعال، وتأثر بشعبية الملك الحر، وابتهج من هذا التأثر، وأحس وهو يحييه أن روحاً قدسية تبعث في هيكله الواهن القوة والفتوة والأمل
والحق أن تحية فاروق للوطن على هذا النحو الجميل، وصلاته لله في هذا المظهر المتواضع، ورسالته إلى الشعب على هذه الصورة الصريحة، ونزوله عن ثلث مخصصاته للأمة الشاكرة، كانت أبرع استهلال لعهده المومق الخصيب
إذا كان من الحق أن بعض الأسماء ينزل من السماء، فإن اسم فاروق وضعه القدر وضعاً