لعلنا في حاجة قبل كل شيء إلى أن نصل إلى رأي في هذه المسألة: وهي هل كان علي شاعراً أم لم يكن؟ ذلك لأنه قد ثارت حول هذه المسألة مجادلات؛ فذهب قوم إلى أن علياً كان شاعراً، وذهب آخرون إلى أنه لم يكن كذلك، وإنما كان كاتباً وخطيباً. أقول إننا في حاجة إلى أن نصل إلى رأي في هذه المسألة قبل كل شيء. والواقع أننا لسنا في حاجة إلى شيء بعد ذلك لأننا قد وصلنا إلى رأي في هذه المسألة: هو أن علياً كان من الشعراء. ولقد وصلنا إلى هذا الرأي بعد أن خطونا ثلاث خطوات:
١ - وجود الموهبة الشعرية عند علي
ونقصد بالموهبة الشعرية هنا تلك الموهبة التي تولد مع الشاعر وتنمو بنموه وتنضج بنضوجه، وتدفعه إلى قول الشعر ونظم القصيد. نقصد بها ذلك الاستعداد لقول الشعر واصطناعه وسيلة من وسائل التعبير عن النفس والتصوير لخلجات الوجدان ونوازع القلب
هذه الموهبة الشعرية يكفي في الدلالة عليها حياة النفس، ويقظة القلب، وتنبه الضمير، والتأثر السريع العميق بما من شأنه التأثير السريع العميق. يكفي في الدلالة عليها اتقاد العواطف وحرارة الانفعالات
ولقد كان علي بن أبي طالب موهبة شعرية على هذا الأساس. فلقد كان حي النفس، يقظ القلب، مُتنبِّه الضمير، يتأثر تأثراً سريعاً عميقاً بما من شأنه التأثير السريع العميق؛ ولقد كان متقد العواطف حار الانفعالات
ويكفي في التحقق من ذلك قراءة ما صح من خطبه وكتبه، ففي هذه الخطب والكتب نلمس الشعور الفياض ونحس به سارياً في أثناء الكلام. فنحن إذا قرأنا الخطبة الشقشقية شعرنا بما يضطرم في صدر علي من الألم لظفر أبي بكر ثم عمر ثم عثمان بالخلافة دونه، مع أنه - في نظره هو - أحق منهم بها لقربه من الرسول وتحدره من بيته. وهذا الألم الذي يضطرم في صدر علي ألم قوي شديد، ينفث في الكلام مرارة يستشعرها القارئ، وشكوى