أخذنا على مجلاتنا الممتازة، في كلمة سابقة، انقطاع الصلة بينها وبين الفنون المصرية الحديثة، وأكبر مظاهرها المسرح والسينما والغناء والموسيقا؛ ونريد في هذه الكلمة بحث العلل التي تصرف كبار أدبائنا عن التأليف أو محاولة التأليف، للمسرح المصري
والملاحظ في مصر اليوم تلك الحركة الطيبة في كتابة القصة، وإقبال القراء على القصة المصرية ذلك الإقبال الكبير المشجع الذي أوشك أن يكون منافساً خطراً لقراء القصة المترجمة. ولدينا ولله الحمد عدد لا بأس به من كتاب القصة المصرية الشائقة التي لا تقل رونقاً ولا بهاء عن القصة الأجنبية وإن لم تبلغ مرتبتها بعد في الطول ولا في التماسك ولا في الصبر على معالجة الأدواء الاجتماعية. . . ولا بأس من أن نسجل هنا أن جل كتابنا، إن لم يكن كلهم، أميل إلى كتابة الأقصوصة منهم إلى تأليف القصة، وقد بلغ بعضهم في ذلك حد الكمال، وهو ما يفخر به الأدب المصري الحديث
وقد يحار الإنسان في انصراف أدبنا هؤلاء عن التأليف المسرحي، وإمداد المسرح المصري بما يفتقر إليه من المسرحيات التي تساعده في شق طريقه بين مسارح العالم الناجحة المحترمة. ولعلنا سائرون في نهضتنا الأدبية الحديثة في مثل الطريق التي سار فيها الأدب الإنجليزي خاصة والآداب الأوروبية على العموم؛ فلقد لاحظ مؤرخو الأدب الإنجليزي أنه لم يتفق أن ازدهرت القصة إلى جانب ازدهار الدرامة في عصر ما من عصور هذا الأدب، ففي عصر إليزابث مثلاً كانت الدرامة هي التي تحتل المقام الأول في إنجلترا، بينما كانت القصة متخلفة نوعا ما. أما في العصر الفكتوري، فقد حدث العكس، إذ ازدهر أدب القصة، وغاض أو كاد يغيض الأدب المسرحي، حتى رد إليه برنارد شو وسير جيمس باري، وطائفة أخرى من الكتاب المسرحيين شبابه الذي ولى، ويتنبأ بعض مؤرخي هذا الأدب أن نهضة التأليف المسرحي الحديثة التي بدأها شو ونفخ فيها باري وجولزورثي وموجهام وكوارد، ومن إليهم دورة من هذه الدورات في تاريخ الدرامة والقصة، تلك الدورات التي تجري إحداها في إثر سابقتها حتى إذا حلت محلها لم تلبث أن تخلي لها الطريق ردحاً من الزمن لتعود إلى مسرح الحياة مرة أخرى، وهكذا دواليك. . .