ويعللون ذلك بروح العصر أولاً، وبما كان من تحريم التمثيل وإغلاق جميع المسارح الإنجليزية خلال الحروب الأهلية ثانياً؛ لكنهم لم يعللوه قط بكسل الأدباء، أو تكاسلهم، أو ازدرائهم للمسرح كما يخيل للإنسان أن يعلل كساد الإنتاج المسرحي عندنا، وتراخي كبار الكتاب في مصر في مد المسرح بما هو جد محتاج إليه من الدرامات بأنواعها. . .
وبعد، فلنكن صرحاء في تعليل عقمنا في الإنتاج المسرحي، هذا العقم الذي يضع أدبنا في مؤخرة آداب العالم بالرغم من تقدم فن القصة المصرية الذي لا يسع المنصف إلا أن يعترف به
فأول أسباب ذلك العقم هو تأخر الترجمة في مصر، وضآلة النقل الفني المسرحي، إن لم نقل انعدامه. . . ويحار الإنسان على من تقع جريرة تأخر الترجمة وضآلة النقل الفني المسرحي؟! أتقع جريرة ذلك على الأدباء المصريين ذوي الثقافة الأجنبية والبصر بمختلف آداب العالم! أم تقع على كلية الآداب المصرية؟ أم تقع على وزارة المعارف العمومية وإدارة الترجمة بها؟ أم تقع على دور النشر ولجان الترجمة والتأليف؟ أم تقع على أغنيائنا الذين يصمون آذانهم عن الحركات الأدبية في مصر؟ أم تقع على أمرائنا الذين لا يشملون بالرعاية (مساكين الأدباء) كما كان يصنع أمراء أوروبا في عصر النهضة؟
١ - على من تقع جريرة تأخر الترجمة في مصر؟ لا جرم أن شطراً كبيراً من تلك الجريرة يقع على عاتق الأدباء المصريين الذين لهم دراية كاملة بالتيارات الأدبية الحديثة في العالم كله. . . فأولئك الأدباء - وهم كثيرون جداً والحمد لله - يعلمون مما درسوا من آداب الأمم المختلفة أن لابد لكل نهضة أدبية في مدارج ارتقائها الأولى من لقاح أجنبي تستفيد به، وينير لها السبيل إلى الكمال، ويوقيها الوقوع في التجارب الفاشلة التي مرت بها الأمم الأخرى - وهم يعلمون كذلك أن الأمة التي لا مسرح لها لا أدب لها، مهما كثر عندها كتاب المقالات ومؤرخو الأدب العربي وناظمو القصائد والموشحات، فالمسرح اليوم عند جميع الأمم، وكما كان في معظم العصور، هو المظهر الأول من مظاهر النشاط الأولي عند أي شعب من الشعوب، وقد أسلفنا القول في كلمة سابقة أن نصف، أو ثلاثة أرباع الآداب العالمية هو أدب مسرحي صرف. فإذا كان الأمر كذلك، فإلى متى يا ترى نظل بأدبنا الحديث في مؤخرة آداب العالم؟. . . ليس معقولاً ولا مقبولاً أن يماري أحد في قيمة