للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[صوت من الماضي]

أنا الملك الفتى. .!

للأستاذ محمد محمود زيتون

لبس سليمان بن عبد الملك يوما حلة وعمامة، ونظر في المراة، فأعجبته نفسه، ونفخ الشيطان في منخريه، فقال:

أنا الملك الفتى

وكان إلى جواره، إحدى جواريه، فأنطلق لسانها يقول:

أنت نعم المتاع، لو كنت تبقى ... غير أن لا بقاء للإنسان

ليس فيما علمته فيك عيب ... كان في الناس، غير أنك فان

ولم ينقض أسبوع حتى مات الخليفة الشاب الذي لم يعرف التاريخ أشد منه حبا للطعام والشراب والنساء، في حقبة لم تتجاوز ثلاث سنوات، احتفلت بالترف والبذخ، وطفحت بالزيغ والفساد، والتحزب والتعصب، والنكال بالأخيار، ومداراة الأشرار.

قيل إن أباه - عبد الملك بن مروان - جاءه نبأ مصير الخلافة إليه. وهو جالس يقرأ في المصحف، فأطبقه وقال: (هذا آخر العهد بك). فما لبث هذا التقى أن استهوته الدنيا بزخرفها، فتغير حاله، وأطلق العنان لفرعون بين أميه - الحجاج ين يوسف الثقفي - الذي ولغ في الدماء والأشلاء. وحسب التاريخ مؤاخذة لعبد الملك أن كان الحجاج سيئه من سيئاته.

ورث سليمان عن أبيه دولة وصولة، وجمع مثله بين النقيضين، فإنه غمط فضل العاملين، ولم يستشعر جهود القادة الفاتحين الذين وطدوا له دعائم الخلافة، ومكنوا له في الملك العريض، فقلب لهم ظهر المجن، ولا سيما من كان فيهم قريبا للحجاج أو مقربا من، وذلك لما كان بينهما من عداوة قديمة. فقد كان الحجاج يهمل أوامره ويتكبر عليه أيام كان سليمان ولي عهد أخيه الوليد، ومن هنا امتد بغضه للحجاج حتى عصف بأشهر القادة.

واتبع سليمان خطة الإيقاع بين الولاة والأمراء، فدبت عقارب الفتنة بينهم، وتسللت أفاعي الفساد إلى الحكومة، ويئست الأمة من الإصلاح، وقبع كل صالح في عقر داره يلتمس النجاة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>