أثارت ظاهرات الطبيعة فضول الإنسان الأول وراعته عواديها فأطلق لخياله العنان ومن بعد ثم شرع يشحذ من قريحته البدائية وتفكيره الساذج يحاول تعليلا لتلك الظاهرات والوصول إلى حل بعض طلاسم الوجود.
ينشد حلا يروى عاش نفسه الظمأى ووجدانه الحائر، ويرضى في الوقت نفسه ولحد ما كبرياءه كحيوان بلغ درجة من التطور العقلي والجسمي ما جعله يلقب بسيد الخلوقات، وهو لقب ناله بجدارة واستحقاق.
غير أن سيد المخلوقات قد عاش في ظلمات من الجهل، وأسدلت بينه وبين نور المعرفة حجب كثيفة حالكة، ولم يبد أمام ناظره بصيص من نور أو وامض من برق إلا متأخرا جداً بالنسبة لبدأ خلقة كانسان - ولا أقول ككائن حي - كما يحدد ذلك على وجه التقريب علم (الأنثروبولوجيا) وكما تدعم ذلك متحجرات (الجيولوجيا) وحفائر (الأزكيولوجيا)
كان لعهد ليس بالبعيد يعتقد في سطحية الأرض ويظنها بساطا ممتدا إلى ما لا نهاية له بساطا لا حراك فيه؛ وكان جهله بالسماء وشمسها وكوكبها أشد من جهله بالأرض التي يعيش فوق أديمها وذلك إلى أوائل القرن السابع عشر، حتى جاء (حاليلي)(ونيوتن) و (لابلاس) فيما بين منتصف القرن السابع عشر وأوائل الثامن عشر، فأثبتوا كروية الأرض ودورانها حول الشمس وقانون الجاذبية، ونهضوا بعلم الفلك ووضعوا له أسسا وقواعد علمية متينة، كما أسس العالم الفرنسي (لافوازييه) قواعد الكيمياء بعد ما فند آراء القدماء فيما يتعلق بالاحتراق (والتأكسد) خاصة. كما ظهر غيرهم من العلماء، وكان عصرهم هو عصر النهضة العلمية خطا فيه العلم خطوات المارد في جميع فروعه. لقى الكثير منهم تعتتا واضطهادا بل وتعذيبا من رجال الدين ورؤساء الكنائس، وذلك لجمود أهله في ذلك الحين وس وسطحية تفكيرهم وضيق أقفهم؛ كذلك كان العلم والمعرفة في ذلك الحين موقوفين على أهل الدين فاشتد الخلاف ودب الحقد في نفس العلماء كما خرج بعضهمعلى الكنيسة والدين، وأكبر مثل لأولئك الخوارج المرتدين كان العالم الرياضي الفلكي (لابلاس) الذي تشرف بالمثول بين يدي جلالة الإمبراطور نابليون الأول لأبحاثه القمية في علم الفلك