للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من تراثنا الأدبي]

٢ - أبو العيناء

بقلم محمود محمود خليل

تحدثت في مقالي السابق عن إسراف أبي العيناء في هجاء الناس، حتى لم يسلم منه أحد من عظيم أو سوقة، وقلت إن هناك عوامل أثرت في حياته، حتى جعلته سليط اللسان وقد آن أن أتحدث عن تلك العوامل:

(١) الوراثة وقد تعرضت لها فيما سبق بحديث مستفيض، فلا حاجة بي الآن إلى تكرار القول فيها

(٢) نشأته فقيراً، وطالما كان الفقر وهو مثير الأضغان والأحزان منبعاً للنبوغ والذكاء، ونجد فقره هذا اضطره فيما بعد إلى الارتحال من منبت نشأته وهو البصرة إلى بغداد طلباً لعطايا الخلفاء والوزراء، وكل أحاديثه مع الكبراء تنبئنا بفقره المدقع، فقد دخل مرة على عبيد الله بن سليمان بن وهب الوزير فضمه إليه، فقال له أنا إلى ضم الكفاية أحوج مني إلى ضم اليدين. وقال له مرة أنا معك مغبوط الظاهر موجود الباطن كما قال أبو الطيب المتنبي:

ماذا لقيت من الدنيا وأعجبها ... إني بما أنا باك منه محسود

وقال لعبيد الله بن يحيى: مسّنا وأهلنا الضر، وبضاعتنا الحمد والشكر، وأنت لا يخيب عنده حر

وسواء كان هذا الكلام منه من أساليب الاستجداء الذي اشتهر به أو من شدة الحاجة كما يقول، فقد عاش أبو العيناء في حياته كلها سواء منها المدة التي قضاها في البصرة أو المدة التي عاشها في بغداد في ضنك من العيش وشدة، وتلك حياة كثير من الأدباء والكتاب في عصره، حتى كان الانتساب إلى الأدب طالع سوء على محترفيه، اللهم إلا نفراً قليلاً من الأدباء الذين أتاح لهم القدر أن يصلوا إلى مرتبة الوزارة أو القضاء، وغفلت عنهم عين الزمان كما يقولون، كالفضل بن سهل وأخيه الحسن والفضل بن الربيع وابن الزيات ويحيى بن أكثم وأحمد ابن أبي دؤاد وغيرهم، وما عدا هؤلاء فكانت حياتهم تتوقف على العطايا التي ينفحهم بها أرباب المناصب في الدولة؛ وكثيراً ما كانت تضيق أمامهم سبل

<<  <  ج:
ص:  >  >>