وأخفق مشروع الخلافة في فتح الغرب من تلك الناحية ولقي الإسلام هزيمته الحاسمة في المشرق أمام سور بيزطية وقامت الدولة الشرقية في وجه الإسلام حصنا منيعا يحمي النصرانية من غزوه وسلطانه. ولكن جيوش الإسلام جازت إلى الغرب من طريق إسبانيا وأشرفت من هضاب البرنية على باقي أمم أوروبا النصرانية ولولا تردد الخلافة وخلاف الزعماء لاستطاع موسى ابن نصير أن ينفذ مشروعه في اختراق أوربا من المشرق إلى المغرب والوصول إلى دار الخلافة بطريق قسطنطينية ولكان من المرجح أن تلقى النصرانية ضربتها القاضية يومئذ وأن يسود السلام أمم الشمال كما ساد أمم الجنوب ولكن الفكرة قبرت في مهدها لتوجس الخلافة وترددها.
على أن الفتوح التي قام بها ولاة الأندلس بعد ذلك في جنوب فرنسا كانت طورا آخر من أطوار ذلك الصراع بين الإسلام والنصرانية، فقد كانت مملكة الفرنج أعظم ممالك الغرب والشمال يومئذ، وكانت تقوم في الغرب بحماية النصرانية على نحو ما كانت الدولة الرومانية في الشرق بل كانت مهمتها في هذه الحماية أشق وأصعب، إذ بينما كان الإسلام يهدد النصرانية من الجنوب كانت القبائل الوثنية الجرمانية تهددها من الشمال والشرق؛ وكانت الغزوات الإسلامية تقف في المبدأ عند سبتمانيا ومدنها؛ ولكنها امتدت منذ ولاية السمح إلى اكوتين وضفاف الجارون، ثم امتدت إلى شمال الرون وولاية بورجونيا وشملت نصف فرنسا الجنوبي كله، وبهذا بدا الخطر الإسلامي على مصير الفرنج والنصرانية قويا ساطعا؛ وبدت طوالع ذلك الصراع الحاسم الذي يجب أن يتأهب لخوضه الفرنج والنصرانية كلها.
كانت المعركة في سهول فرنسا أذن بين الإسلام والنصرانية. بيد أنها كانت من الجانب الآخر بين غزاة الدولة الرومانية والمتنافسين في اجتثاء تراثها؛. كانت بين العرب الذين اجتاحوا أملاك الدولة الرومانية في المشرق والجنوب؛ وبين الفرنج الذين حلوا في ألمانيا وغاليس. والفرنج هم شعبة من أولئك البربر الذين غزوا رومة وتقاسموا تراثها من