(واندال وقوط والان وشوابيين). فكان ذلك اللقاء بين العرب والفرنج في سهول فرنسا اكثر من نزاع محلي على غزو مدينة أو ولاية بعينها: كان هذا النزاع في الواقع أبعد ما يكون مدى وأثراً. إذ كان محوره تراث الدولة الرومانية العريض الشاسع؛ الذي فاز العرب منه بأكبر غنم ثم أرادوا أن ينتزعوا ما بقي منه بأيدي منافسيهم غزاة الدولة الرومانية من الشمال.
وكانت هذه السهول الشمالية التي قدر لها أن تشهد موقعة الفصل بين غزاة الدولة الرومانية تضم مجتمعا متنافرا لم تستقر بعد قواعده ونظمه على أسس متينة. ذلك أن القبائل الجرمانية التي عبرت الرين وقضت على سلطان روما في الأراضي المفتوحة كانت مزيجا مضطربا من الغزاة الظمأى إلى تراث روما من الثروة والنعماء.
وكان القوط قد احتاجوا شمال إيطاليا منذ القرن الخامس وحلوا في جنوب غاليس وإسبانيا؛ ولكن هذه الممالك البربرية لم تكن تحمل عناصر البقاء والاستقرار فلم يمض زهاء قرن آخر حتى غزا الفرنج فرنسا وانتزعوا نصفها الشمالي من يد حاكمه الروماني المستقل بأمره وانتزعوا نصفها الجنوبي من القوط وحلت في غاليس سلطة جديدة ومجتمع جديد. وكان الغزاة في كل مرة يقيمون ملكهم على القوة وحدها ويقتسمون السلطة في نوع من الاقطاع، فلا يمضي وقت طويل حتى تقوم في القطر المفتوح عدة إمارات محلية. ولم يعن الغزاة بإقامة مجتمع متماسك ذي نظم سياسية واجتماعية ثابتة ولم يعنوا بالأخص أن يندمجوا برعاياهم الجدد، فكان سكان البلاد المفتوحة من الرومان والغليين الذين لبثوا قرونا يخضعون لسلطان رومة ما تزال تسود فيهم لغة رومة وحضارتها. ولكن القبائل الجرمانية الغازية كانت تستأثر بالحكم والرياسة وتكون وحدها مجتمعا منعزلا لبثت تسوده الخشونة والبداوة أحقابا قبل أن يتأثر بمدنية رومة وتراثها الفكري والاجتماعي. وكان اعتناق الفرنج للنصرانية منذ عصر كلوفيس أكبر عامل في تطور هذه القبائل وتهذيب عقليتها الوثنية وتقاليدها الوحشية. ثم كان استقرارها بعد حين في الأرض المفتوحة؛ وتوطد سلطانها وتمتعها بالنعماء والثراء بعد طول المغامرة والتجول وشظف العيش وحرصها على حياة الدعة والرخاء، عوامل قوية في انحلال عصبيتها الحيوية وفتور شغفها بالغزو واذكاء رغبتها في الاستعمار والبقاء. وهكذا كانت القبائل الجرمانية التي عبرت الرين تحت لواء