يعد جيوفاني بوكاشيو زعيم النثر الإيطالي غير منازع في زعامته، وكانت رسائله نبراسا يستضيء به الكتاب من بعده، ونذكر منهم بترارك، شوسر، دريدن، كيتس، تنيسون. أولئك وغيرهم كانوا فيما يخرجون للناس من كتب يغترفون من بحر بوكاشيو ويستلهمون وحيه ويتقفون أثره.
ولد في قرية سرتالدو التي تبعد عشرين ميلا عن فلورنسا ونشأ بها. ولما جاوز الحول السادس والعشرين رحل إلى نابولي وكانت مهد غرامه ومهبط وحي الحب على قلبه، فشغف بحب (ماريا داكوينو) فبدأت من حياته صفحة جديدة فياضة بالخير سيالة بالنفع. فلقد كان حبها حبا كريما: بسط على نفس الفتى فضله فلقي فيه ما لقي المحبون من سعادة ونعيم، وفاض على نفوس الناس أجمعين بما أوحى إلى الفتى، فتلقوا منه نثرا هو أبدع ما أخرج للناس من أقلام الكاتبين، فيه دقة، وفيه روعة، وفيه جمال، على نحو ما خلقت الفتاة من دقة وروعة وجمال. حتى لقد زعم الناس أن هذا البيان إن هو إلا وحي يوحي من الفتاة إلى هذا المحب المختار، ثم اصبح زعمهم يقينا فأغمضوا العين عن تلك الصلة الوشيجة بين المحبين، وانصرفوا إلى فضل الفتاة على رسائله، فما يذكرونها إلا برسائله وما يذكرون رسائله إلا بها، وغالوا فيما انصرفوا إليه فسموا الفتاة (صاحبة رسائل بوكاشيو).!!
وعاد الفتى إلى فلورنسا عام ١٣٥٠ وكان قد انتهى من كتابة الليالي العشر أو كاد، وأخرجها إلى الناس عام ١٣٥٣م. ولقد دفعه إلى كتابتها عاملان ألحا عليه: رغبته في إخراج شيء بديع قيم يزجيه إلى محبوبته، ولا أبدع لدى الكاتب من ثمرات قلمه، والزلفى إلى ملكة نابولي، وكانت تشتهي أن تقرأ للفتى خير ما ينتجه يراعه.
وكانت عودته إلى فلورنسا في الوقت الذي أفلتت فيه المدينة من براثن الطاعون، ونضت عنها قميص قيصر بعد أن لم يترك فيها موضعا بغير قرح، ولا عضو بغير جرح. وكان