للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

هذا الوباء على ما روى لنا الكتاب حديث الناس في تلك السنين العجاف، فما كان عجبا أن يصدر بوكاشيو كتابه بوصف هذه المحنة التي تزلت بالبلاد. ولقد وصفها في بيان فصيح، وأسلوب صريح، ثم تخلص من وصف الوباء إلى سرد قصصه المائة في الليالي العشر التي قدر لها أن تكون من اكبر كتب العالم مدى الدهر

الفتيات السبع

هذه إحدى قصص الليالي العشر، أو هي مقدمة قصص الليالي نوردها في اختصار وتلخيص، لا نحاول أن نتسامى إلى منزلة الكاتب في براعة الأسلوب، ولا ندعي القدرة على مجاراته في ميدان البلاغة، ولكن حسبنا الأمانة في النقل والدقة في التعبير عما أراده الكاتب مما كتب، أمانة ودقة لا ينقص منهما ما يقتضيه الأسلوب العربي من أحكام وأوضاع.

فلورنسا اجمل مدائن إيطاليا، وأبهاها، وأغناها، تصبح ما بين عشية وضحاها أفقر البلاد واشدها بؤسا وفاقة بما أصابها من كارثة الوباء التي نزلت بها عام ١٣٤٨م. لقد كان هذا الوباء مرضا ملحا جبارا لم تفلح فيه عقاقير الأطباء ولا اعتصام الناس بالعزلة والفرار. وماذا تعني العزلة وماذا يفيد الفرار؟ والوباء ينساب بين الناس انسيابا تحمله أنفاسهم حين يتحدث بعضهم إلى بعض، ويسري بينهم إذا لمس السليم ثياب الموبوء. حتى إذا بدت على الجسم علامات حمر كانت نذيرا بالموت لا مفر منه، ودليلا على انقضاء الاجل، وتصرم أسباب الأمل، إن هي إلا أيام ثلاثة ثم ينتهي كل شيء إلى ما تنتهي إليه كل الأشياء.

وغشي الناس من هول الكارثة فزع وجزع. وإذا فزع الناس فما ايسر خروجهم على القوانين الوضعية، وإذا خلت قلوبهم من طمأنينة الثقة فما أيسر خروجهم على الشرائع السماوية، فإن تحرروا من هذه وتلك فليفعل كل امرئ ما شاء. وإنهم لواجدين في هذه الفوضى متسعا لإشباع الشهوات، ورضاء النزوات، ومتى لم يكن من الموت بد ففي رأيهم أن من الخرق أن تموت عابسا كئيبا، وهذه قصور الأغنياء وخدور الغانيات فلنقتحمها وردا، ولننعم فيها قبل الموت بما حرمنا منه في الحياة، ولنمت وعلى وجوهنا ابتسامة اللذة ومخاييل السرور!! كذلك كانوا يقولون. على أن بعض الناس أقام بينه وبين الناس سدا وحسب أن الحمية تعصمه من فتك المرض وظن بعضهم أن في الاعتصام بالجبال والتأبد

<<  <  ج:
ص:  >  >>