وللصيد لذة مشتركة موجودة في طباع الأمم، وكأنها في سكان البدو والأطراف أقوى لمصاقبتهم ومنازلتهم إياها، فلا تزال تراهم ذاكرين وبها متمثلين، ومنها طاعمين، حتى أن نساءهم ليتصيدن على الخيل، ذكر ذلك بعض الرواة فقال: أتيت مكة فجلست في حلقة فيها عمر بن عبد الله بن غبي ربيعه المخزومي وإذاهم يتذاكرون العذريين وعشقهم وصبابتهم، فقال عمر: أحدثكم بعض ذلك: إنه كان لي خليل من بني عذرة (وقصّ قصة الدوحة، وهي على طولها، وعلى أنها أخذت من الكتاب نحواً من عشر صفحات من أجمل قصص الحب في الأدب العربي، وهي مشهورة لم نروها لطولها).
وربما ألث السحاب وجرت الأدوية وتتابع السيل، وثلجت الصحراء، حتى يعم ذلك معاقل الأروَ، وكناس الظباء، ومرابض المها، ومفاحص القطا، ومسالك الطير من الهواء، فلتجأ الصوار والسّرب والعانة والرعيل والرف إلى العمارة، فتؤخذ قبضاً وتكون حالها في استسلامها، وضعف من يقدر عليها في تلك الصورة كقول علي بن الجهم في وصف غيث:
وحتى رأينا الطير في جنباتها ... تكاد أكف الغانيات تصيدها
ولا يكون لصيدها ذلك الموقع، على أن ناساً قد أمكنهم مثل ذلك فرأوا تركه، وقالوا إنما لجأت إلينا وعاذت بجوارنا، فنؤمنها ولا نروعها ولا نجور عليها، وفعل مثل ذلك مجبر الجراد واسمه حارثة بن حنبل من طيء، وكان الجراد قد وقع في أرضه، فبدأ بالوقوع حول خبائه، فخرج أهل الحي ليصيدوه، فركب فرسه واشرع إليهم صدر قناعة وقال: ما كنت لأمكنكم من جاري وفخر بذلك قومه، فقال هلال بن معاوية التغلبي: