للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الطريق]

للأستاذ محمد أحمد الغمراوي

(وإن صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم

عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) صدق الله العظيم

لكن المسلمين وا أسفاه قد ضلوا السبيل واتبعوا السبل - وما أكثرها - فتفرقت بهم عن سبيل الله، فحقت عليهم كلمة الله في كل ما خالفوا الله فيه. وتاريخهم الحديث فيما يقرب من قرن كله أمثلة توضيحية لهذا.

أهملوا أمره تعالى (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) فعاشت دولة خلافتهم - التي كانت - لا تجدد جيشاً ولا تصنع سلاحاً حتى ثار عليها عقبان البلقان فألجئوها إلى شطلجة. ولولا أن دبت الفرقة بين أعدائها ما استردت منهم أدرنه ولجاءت الحرب الكبرى الأولى وما بيده من أوربا شيء. ولم ينتفع المسلمون بتلك العبرة فظلوا كما كانوا لا يهتمون بالجيش ولا يصنعون السلاح وإنما يعتمدون في تسليح جيوشهم على الأجنبي، إن شاء أعطى وإن شاء منع. وهو لا يعطي إلا بثمن، والثمن هو ما نعلم من احتلال الديار والتقييد بتلك المعاهدات المخزية التي لا يزالون يحاولون التحرر منها فلا يستطيعون.

والاتحاد قوة، يعلم ذلك كل أحد. وأحق الخلق بالاتحاد الضعفاء، يعلم ذلك حتى ضعاف الحيوان في الغاب. وقد جعل الله الاتحاد على المسلمين فرضاً وديناً حين أمرهم به في قوله تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) لكن المسلمون لم يعتصموا بحبل الله في الماضي وما هم بمعتصمين به في الحاضر ثم هم ليسوا بجميع. حتى في أحرج الأوقات وأحوجها إلى اجتماع القلوب وتساند القوى، كانوا ولا يزالون متفرقين. ففي الحرب الكبرى الأولى بلغ بهم التفرق أن حارب بعضهم بعضاً طمعاً في استقلال بعضهم عن بعض وفي تأسيس دولة عربية تضم شتات العرب. فكان أن انهزمت دولة الخلافة إذ ذاك في الشرق، في ديارها، على أيدي أبناءها العرب. وكان أن دخل العدو بيت المقدس بما مد له عمال المسلمين ومهد له جنودهم، فإذا به يظهر ما كان يبطن إذ أعلن أن فتح بيت المقدس خاتمة لآخر الحروب الصليبية! فيالها من خدعة خدعها الناس لا تزال ممتدة

<<  <  ج:
ص:  >  >>