للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[البريد الأدبي]

حول نيتشة وفجنر:

يقول الأستاذ محمد فهمي في الرد على الأستاذ أنور المعداوي: (أما سبب ذلك الانقلاب - أي انقلاب نيتشة على فجنر - من النقيض إلى النقيض للفيلسوف على صديقه الموسيقار فيعزوه المثقفون وبعضهم على الأقل إلى علاقة غرامية أحس بها الفيلسوف نحو زوجة صديقه الفنان) ولا يمكن أن يكون في هذه الأسباب الصغيرة سر تحول رأي نيتشة في الفنان الكبير؛ وإن نيتشة يعتبر في تاريخ الفلسفة الواحد الفرد الصارم العميق والذاهب إلى الحقيقة كيفما كان ثمنها، والذي ظل يحارب المرض والجنون والفقر سعياً وراء الحقيقة حتى دفع ثمنها آخر قبس من نور عقله العظيم.

والأستاذ (محمد فهمي) لم يصور لنا بأسلوب علمي صريح معنى فكرته؛ فأي شيء يمثله لنا تأثر نيتشة بفجنر؟ هل يعني بذلك أن فجنر تسلط على نيتشة بعصاه السحرية حتى شكله تشكيلاً موضوعياً؟ ومعنى هذا أن فجنر شكل أسلوب تفكير نيتشة ولون ميوله الفنية والفلسفية ووجه نظره نحو الناس والأشياء وأوضاع الكون حتى نراه قد حارب في الميدان الفكري الذي حارب فيه فجنر ومن أجل فكرة فجنر!

هذه الصورة من التأثر هي التي تشغل مكانها في أحكام النقد الفلسفي. فنحن نقول مثلاً: إن (إنجلز) تأثر (بماركس) لأنهما حاربا من أجل فكرة واحدة وغاية واحدة في الحياة، وهذا هو الذي لم يحدث بالنسبة لنيتشة وفجنر، فإن نيتشة قد تأثر بفجنر كصديق وتأثر بشوبنهور كأستاذ، وكانت سنه في ذلك الحين قرابة الخامسة والعشرين، وكانت هذه المرحلة بالنسبة لنيتشة مرحلة تحصيل واستيعاب: مرحلة هام فيها الفيلسوف الشاب وراء الحقيقة تساوره الوساوس والشكوك في قيمة الوجود ومعنى الحياة، وأخيراً وجدها نيتشة قائمة في نفسه، وإذ ذاك وصل إلى نقطة الارتكاز فثار بعقله الجبار على كل الأصنام، ودعا إلى تحطيم ألواح الوصايا والآراء الفلسفية الداعية إلى الحياة السلبية، وقد أيقن في قرارة وجوده الفلسفي أن الإنسان العظيم هو الذي يبدع القيم والاعتبارات ويخلع على الحياة لون تفكيره.

وعندما وصل نيتشة إلى المرحلة الإيجابية من حياته تنكر للصديق والأستاذ تنكراً شريفاً

<<  <  ج:
ص:  >  >>