للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[عقبات تعترض النهضة في البلاد العربية]

للدكتور محمد يوسف موسى

نعم، كلنا نحس إحساساً شديداً هذه الأيام بأن هناك عقبات تقف في سبيل النهضة في البلاد الشرقية أو العربية أو الإسلامية، وكل هذه التعبيرات تؤدي في رأينا مدلولاً واحداً. عقبات يرجع بعضها إلى سوء توزيع موارد الثروة الطبيعية إلى حد شنيع يثور من أجله الضمير والدين، فكان من ذلك الفقر والحرمان والجوع، وهذاثالوث بغيض ولا سيما وهو لم يدع لنا لحظة نفكر فيها في الغد، بله نهضة الوطن الأكبر! ويرجع بعضها، في رأي غير قليل من الكتاب، إلى أننا لم نطلق الانطلاق كله في اصطناع مظاهر الحضارة والحياة الغربية، متناسين أن لكل أمة مقوماتها التي بها يكون كيان خاص محترم. كما يرجع بعضها الآخر إلى أن الزعماء والساسة لا يريدون حقاً هذه النهضة، ما داموا لا يتخذون الطرق المؤدية لها.

على أن هناك عقبة أخرى لها في رأيي الخطوة البالغة، ومن ثم يجب أن نفعل - ولكن في تؤدة وتبصر - على إزالتها من الطريق، نعني بها افتراق عقلية الأمة العربية افتراقاً كبيراً إلى عقليتين مختلفتين، كل واحدة منهما لها فهمها للحياة وأهدافها ووسائلها التي تعارض وما للعقلية الأخرى من هذا كله، وبذلك يشقى العالم العربي بين هاتين العقليتين المتباعدتين:

عقلية مدنية تعرف الغرب وتأخذ عنه وعن نظمه وتقاليده وحضارته، أكثر بكثير ما تعرف العروبة والإسلام وحضارته. ٢ - عقلية دينية تجهل علوم (العصر) وحضارته، ونشأت على الدين دون أن نفهمه صحيحاً أو تعنى بتطبيق مبادئه وأصوله، والحكم هنا طبعاً على المجموع لا على الجميع.

ورجال العقلية الأولى بيدهم أمر الحكم وسياسة البلاد، وقد فتنهم الغرب بمظاهره الخادعة، وجهلوا الدين جهلاً يكاد يكون تاماً فاحتقروا ممثليه، وظنوا من الخير التخفف منه ومن تقاليده، لأنه - كما زعموا - لا يساعد على النهوض، وتناسوا لجهلهم بالتاريخ مقدار ما أفاد الغرب والإنسانية عامة مما في الإسلام وحضارته من حيوية ومبادئ صالحة للحياة القوية العزيزة الكريمة إن هؤلاء الناس لا يعرفون، حين يشيدون بما قررت الثورة

<<  <  ج:
ص:  >  >>