للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[آفة الغة هذا النحو. . . .]

للأستاذ علي الطنطاوي

أستأذن أستاذَنا الجليل (الزيات) فاستعير منه هذا العنون. فأكتب كلمة في هذا الموضوع الكبير، الذي نبه إليه الأستاذ بمقالته القيمة المنشورة في (الرسالة) الثالثة عشرة:

قال الاستاذ: (ليس من شك في أن دراسة النحو على هذا الشكل تفيد في بحث اللهجات في اللغة، ودرس القراءات في القرآن، ولكن نحن اليوم، وقبل اليوم، إنما نستعمل لغة واحدة، ونلهج في الفصيح لهجة واحدة، فلماذا لا نجرد من النحو القواعد الثابتة التي تحفظ هذه اللغة، وتقوم تلك اللهجة، وندع ذلك الطم والرم لمؤرخي الأدب وفقهاء اللغة وطلاب القديم، على ألا يطبقوه على الحاضر، ولا يستعملوه في النقد، وإنما يلحقونه بتلك اللغات البائدة التي خلق لها، وتأثر بها، فيكون هو وهي في ذمة التاريخ، وفي خدمة التاريخ؟).

ولقد صدق أستاذنا وبر، واصبح النحو علماً عقيماً، يدرسه الرجل ويشتغل به سنين طويلة ثم لا يخرج منه إلى شيء من إقامة اللسان والفهم عن العرب. وإنني لاعرف جماعة من الشيوخ، قرأوا النحو بضعة عشر عاماً، ووقفوا على مذاهبه واقواله، وعرفوا غوامضه وخفاياه، واولوا فيه وعللوا، وأثبتوا فيه ودللوا، وناقشوا فيه وجادلوا، وذهبوا في التأويل والتعليل كل مذهب، ثم لايفهم أحدهم كلمة من كلام العرب، ولايقيم لسانه في صفحة يقرؤها، او خطبة يلقيها، أو قصة يرويها. . .

ولم يقتصر هذا العجز على طائفة من الشيوخ المعاصرين ومن قبلهم من العلماء المتأخرين، بل لقد وقع جلة النحويين وأئمتهم منذ العهد الاول:

وقد روي السيوطي في (بغية الوعاة) أن الكسائي قد مات وهو لا يعرف حد نعم وبئس، وأن المفتوحة، والحكاية!. . . وأن الخليل لم يكن يحسن النداء. . . وأن سيبويه لم يكن يدري حد التعجب!

وأن رجلاً قال لابن خالويه: أريد أن تعلمني من النحو والعرية ما أقيم به لساني. فقال له ابن خالويه: أنا منذ خمسين سنة أتعلم النحو، ما تعلمت ما أقيم به لساني:

لإاي فائدة من النحو، إذا كانت قراءته خمسين سنة لا تعلم صاحبها كيف يقيم لسانه؟ وما الذي يبقي للنحو إذا لم يؤد إلى هذه الغاية، واذا أصبح أصعب فنون العربية وهو لم يوضع

<<  <  ج:
ص:  >  >>