للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[في الأدب الشرقي]

الأدب العربي والأدب الفارسي

للأستاذ عبد الوهاب عزام. أستاذ الأدب الفارسي بكلية الآداب

٣

وكان من آثار هذا الاختلاط والتنافس ظهور الشعوبية من فرس وغيرهم، وهم الذين قاموا يردون على العرب دعواهم في فضلهم على الأمم. ولم يقتصر الشعوبية أن يسووا أنفسهم بالعرب، بل تمادى الجدل بهم إلى تفضيل غير العرب عليهم، كان من الشعوبية غير الفرس، وكان من الفرس أنصار للعرب، ولكن النزاع كان في معظمه نزاعا بين العرب والفرس خاصة. وقد تناضل الفريقان عن كثب، وأرسلوا الكلام إلى غاياته في غير تحرج.

فعلان الشعوبي الفارسي وهو نساخ في بيت الحكمة أيام الرشيد والمأمون، كتب كتاب الميدان الذي (هتك فيه العرب وأظهر مثالبها) كما يقول ابن النديم، وسهل بن هارون صاحب خزانة الحكمة في عهد المأمون كان شديد العصبية على العرب، وقد كتب رسالة في البخل وكأنه أراد بها الزراية بالجود الذي كان عمدة مفاخر العرب، وسعيد بن حميد بن البختكان لم يتحرج، وهو على مقربة من الخلفاء، أن يكتب كتابا يسميه فضل العجم على العرب، وأشباه هؤلاء كثيرون، وقد استمر النزاع في الكتب عصوراً طويلة، وليس يسعنا أن نستقصيه الآن.

بعد هذا كله نسأل السؤال الذي يفهم جوابه استنتاجا مما تقدم: ما أثر الفرس في الآداب العربية؟

مهما تحدث الناس عن النزاع بين العرب والفرس، فان هذا النزاع لا يشرح لنا كل شيء، كان المتنازعون إما من الرؤساء ومن التف حولهم، وإما من الطامعين في الزعامة والمناصب. فأما العلماء أكثرهم فكانوا كدأبهم في كل زمان يعملون ولا تسمع أصواتهم، وهم الذين تعاونوا على إغناء اللغة العربية بالكتب في شتى الفنون. فقد تقدم الفرس النجباء لحمل الأمانة العلمية منذ العهد الأموي، وثابروا فإذا هم المتقدمون في كل فن: في التفسير، والحديث، والفقه، حتى علوم العربية من نحو وصرف وعروض، والآداب العربية شعرها ونثرها، قديمها وحديثها، وما عنوا بالكلام عن الفرس والعرب. وكانوا يتحرجون أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>