لو أنني سئلت أن أُجمل فلسفة الدين الإسلاميَّ كلها في لفظين، لقلتُ أنها: ثبات الأخلاق، ولو سئل أكبر فلاسفة الدنيا أن يوجز علاج الإنسانية كله في حرفين، لما زاد على القول إنه ثباتُ الأخلاق، ولو أجتمع كلُّ علماء أوربا ليدرسوا المدنية الأوربية ويحصروا ما يعوزها في كلمتين لقالوا: ثباتُ الأخلاق.
فليس ينتظرُ العالمُ أنبياء ولا فلاسفةً ولا مصلحين ولا علماء يبدعون له بدعاً جديداً، وإنما هو يترقب من يستطيع أن يفسر له الإسلام هذا التفسير، ويثبتَ للدنيا أن كل العبادات الإسلامية هي وسائل عمليةٌ تمنع الأخلاقَ الإنسانية أن تتبدّل في الحي فيخلع منها ويلبس، إذا تبدلت أحوال الحياة فصعدت بإنسانها أو نزلت، وأن الإسلام يأبى على كل مسلم أن يكون إنسان حالته التي هو فيها من الثروة أو العلوم، ومن الارتفاع أو الضعة، ومن خمول المنزلة أو نباهتها، ويوجب على كل مسلم أن يكون إنسان الدرجة التي انتهى إليها الكونُ في سموهّ وكماله، وفي تقلبه على منازلة بعد أن صفى في شريعة بعد شريعة، وتجربة بعد تجربة، وعلم بعد علم.
انتهت المدنيةُ إلى الأخلاق بتبدل أحوال الحياة، فمن كان تقياً على الفقرة والإملاق وحرمه الإعسارُ فنون اللذة، ثم أيسر من بعدُ، جاز له أن يكون فاجراً على الغنى، وأن يتسمح لفجوره على مدَّ ما يتطوع به المال، وإن أصبح في كل دينار من ماله شقاءُ نفس إنسانيةٍ أو فسادُها.
ومن ولد في بطن كوخ، أو على ظهر الطريق، وجب أن يبقى أرضاً إنسانية، كأن الله سبحانه لم يبن من عظامه ولحمه وأعصابه إلا خربة آدمية من غير هندسة ولا نظام ولا فن. . . ثم يقابله من ولد في القصر أو شبه القصر فله حكم آخر، كأن الله سبحانه قد ركب من عظمه ودمه وتكوينه آية هندسة، وأعجوبة فن، وطرفة تدبير، وشيئاً مع شيء، وطبقة على طبقة ولكن الإسلام يقر ثبات الحلق ويوجبه وينشئ النفس عليه، ويجعله في حياطة المجتمع وحراسته، لأن هناك حدوداً في الإنسانية تتميز بحدود في الحياة، ولا بد من الضبط في هذه وهذه، حتى لا يكون وضعٌ إلا وراءه تقدير، ولا تقديرٌ إلا معه حكمة، ولا