أدخلت الإصلاحات والتغييرات العديدة على أنظمة مدارسنا، ولكنها كانت دائما تدور حول طرق تدريس العلوم ومناهجها، ولم تتجه إلى الناحية الخلقية - كما أشار إليه صاحب المعالي وزير المعارف في تقريره عن التعليم الثانوي - والحقيقة التي لا شبهة فيها أن مدارسنا لا تهتم بغير المواد المدرسية ولا تعمل شيئا في سبيل تربية أخلاق الطلاب.
بل الحقيقة التي يعترف بها الخبير المنصف أن مدارسنا كانت بنظمها سببا في نشر الفوضى الخلقية بين الشبان: لقبولها الطلاب من جميع الطبقات، ووضعها أبناء الطبقات المحترمة بجانب أبناء الطبقة الوضيعة في المدرسة الواحدة بلا تمييز؛ وقد دلت المشاهدات على أن الطالب المهذب يكتسب أخلاق زميله الوضيع التربية ولا يحدث العكس؛ وقد زاد هذا البلاء استفحالا في السنين الأخيرة بإقبال الطبقة السفلى على تعليم أبنائها لتأهيلهم للوظائف واكتظاظ المدارس بطلابها.
مع أن إنجلترا - على عراقتها في الحرية والديمقراطية - مدارس لا تقبل إلا أبناء الطبقات المحترمة التي تستطيع دفع المصروفات العالية، فيظل أبناؤها بمنجى من مخالطة أبناء السوقة، ذلك بان الحرية والديمقراطية يجب ألا تتعارضا مع الأمر الواقع، أو تتجاهلا وجود الطبقات المتفاوتة.
لا تعمل مدارسنا شيئا لتهذيب أخلاق أبنائها مع أننا أحوج من غيرنا إلى التربية الخلقية في مدارسنا: إذ لا يجد ناشئتنا هذه التربية غالبا في بيئة غير بيئة المدرسة: فلا في البيت ولا في الشارع ولا في المجتمع: فالتربية المنزلية عندنا ناقصة، ومعظم الآباء لا يوجهون إلى تربية أبنائهم من وقتهم وعنايتهم ما يجب، وهم يتقادون لحنانهم الأبوي فيسمحون لأبنائهم بكل ما يريدون وإن عارض مصلحتهم وجنى على تنشئتهم؛ وطبقة العامة التي يصادفها الناشئ في غدواته وروحاته فاسدة تعم فيها رذائل الكذب والغش والقحة وجرأة اللسان مما لا مثيل له في بلد راق؛ والحجاب الذي فرضته التقاليد على المرأة يحرم المجتمع من اختلاط الجنسين وهو عامل كبير في تهذيب الخلق وترقيق الطبع وتنمية الذوق وتربية الرجولة الصحيحة.