ومصر التي جربت في مراكز الحكم زمرا من أبنائها لا يشك أحد في عظيم ذكائهم وكبير مواهبهم وواسع تعليمهم وثقافتهم، ومع ذلك كانوا عليها سوط عذاب وبثوا فيها فساد الأخلاق، مصر هذه يجب أن تنتبه إلى النقص الجسيم في نظم تربيتها، وأن تعرف جيدا قلة جدوى التعليم بدون التربية الخلقية الصحيحة التي تقوم الطباع وتبعث الاستقامة وتشعر الفرد بمسئوليته أمام ضميره وواجبه نحو مجتمعه ووطنه.
فمدارسنا اليوم تجعل واجبها الأول التربية العقلية، على حين يجب أن تكون التربية الخلقية أول مراميها، وأن يأتي تزويد الناشئ بالعلوم بعد ذلك في المحل الثاني: فتختلف برامج التعليم زيادة ونقصا وتعديلا كما تدعو الحاجة أو تشير التجارب. ووظيفة المدرسة الخلقية هي هي في مكانها الأول، وهي هي الغرض الأسمى من كل تربية وفي كل معهد، وهي عدة الناشئ وكفيلة بالنجاح في حياته مهما زادت معلوماته أو نقصت أو تنوعت.
ومن المسائل المفروغ منها بين المشتغلين بالتربية والتعليم أن التربية الخلقية لا تأتي بالتلقين ولا تكون باستظهار فوائد الفضائل ومضار الرذائل، وإنما العامل الأكبر في تشكيل أخلاق الناشئ وتوجيهها إما إلى الحسنى وإما إلى الخسران، هو الوسط الذي يعيش فيه، والناس الذين يخالطهم في ذلك الوسط، والأعمال التي يزاولها فيه كل يوم؛ فأخلاقنا تنمو نموا غير مقصود ولا متعمد ولا سيما في عهد نشأتنا، وتتشكل بالمحاكاة والاقتداء ومسايرة الغير، فالطفل الناشئ في وسط راق ينشأ فاضلا دون أن تلقى إليه كلمة واحدة في مزايا الفضيلة، والناشئ في بيئة مسمومة يشب دنيئا مهما أسمع من عظات الحكماء، ووضع بين يديه من كتب الفضلاء.
فإذا هيأنا في المدرسة للناشئ جوا نقيا صالحا نمت أخلاقه نقية صالحة دون بذل جهد ما من جانبه أو من جانب المدرس أو إدارة المدرسة؛ ولكن جو مدارسنا ليس من النقاء والصلاح بحيث ينشئ الطلاب تلك النشأة، ومهما فرض المدرس وإدارة المدرسة بعد ذلك من أنظمة وقواعد وعقوبات فعبث ليس وراءه طائل.
فقد تقدم كيف يختلط في المدرسة ابن الأسرة الطيبة بابن الأسرة الوضيعة فتسود الفوضى الخلقية الجو المدرسي، ثم إن ازدحام ساعات المدرسة بالمواد الدراسية يحول دون توثق الحياة الاجتماعية المدرسية، ويجعل الطلاب في حالة من الإرهاق والملال تحفزهم إلى