احتدم الجدال في إحدى الليالي بين مصري وعراقي، فقال الأول:(رحم الله الحجاج بن يوسف الثقفي)؛ ورد عليه الثاني وقد تملكته سورة الغضب:(رحم الله كافوراً الإخشيدي). وأشتد حنق المصري إذ وجدها كبيرة على نفسه أن يحكم بلاده كافور، فلما ألقى إليَّ ذلك قلت:(يا صاحبي لا تحزن، إن أبا المسك الأستاذ كافور كان أميراً من أكبر الأمراء، وعاهلاً من اعظم ملوك المسلمين بمصر، ويزيد بلادنا فخراً أن تولاها مثله كما لا ينقص من قدره سواد لونه، بل في ذلك دليل على علو همته. وأن لونه لم يقعد به عن بلوغ أعلى المراتب، ودليل على إننا لا نفرق بين الأبيض والأسود، لأننا جميعاً سواء. وإذا اخذ عليك ولاية كافور علينا، فقل أن ملكة شمس مصر والشام، وإنه كان يخطب له على المنابر بمكة والمدينة والحجاز جميعه ودمشق وحلب وإنطاكية والثغور وفيها طرسوس والمصيصة وغيرها من الأقاليم التي خضعت لسطوته ودامت لسلطانه كما ذكره الفرغاني ونقله ابن خلكان في ترجمته لكافور. فإذا وجدت معرة بكافور فاسأل غيرنا تجدهم قد شاركونا فيها، فكيف وليس في الأمر ممرة علينا، بل مفخرة لنا؟)
(أليس كافور من أبناء السودان، وكلنا ننشد الوحدة الشاملة؟ فكيف تستكثر على أحد أبنائه ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحته؟ وهل كان كافور عاطلاً هملاً حتى تؤاخذنا به، أو نبرأ من ولايته وإمارته، وهو الذي قال فيه أبو الطيب المتنبي برغم تحامله بعد ذلك عليه:
قواصد كافور توارك غيره ... ومن قصد البحر استقل السواقيا
فجاءت بنا إنسان عين زمانه ... وخلَّت بياضاً خلفها ومآقيا
وهو القائل فيه:
فإن لم يكن إلا أبو المسك أو هُمُ ... فإنك أحلى في فؤادي وأعذبُ
وكل امرئ يولي الجميل محبب ... وكل مكان ينبت العز طيب)
قال:(أو لم تسمع بقارع الهجاء وشنيع الذم؟) قلت: (إذن فلنتخذ ما تنشره جرائدنا ومجلاتنا الحزبية دليلاً على إفلاسنا وفنائنا، فمتى كان يقام وزن للهجاء والتشنيع الذي يمليه الحقد والنفس الموتورة؟)