أبرز بقاع النشاط السياسي الآن الشرق الأقصى والبلقان، فهما المنطقتان الوحيدتان التي لألمانيا فيهما مجال للمناورات، فهي تحاول في البقعة الأولى أن تضم اليابان إلى صفها لتربك بريطانيا العظمى في الميدان الشرقي، ولتوزع أسطولها للدفاع عن ممتلكاتها في آسيا والمحيط الهادي، وتحاول في البلقان أن يستتب السلام مؤقتاً بأي ثمن.
أما أمريكا فمعروف أمرها، ومعروف أن تأييدها لبريطانيا العظمى أقوى من أن تضعفه المناورات السياسية؛ فأمريكا تعتبر إنجلترا وأسطولها خط دفاعها الأول، فانهيارها يعرض أمريكا للخطر، وإذا كانت تحرص على حفظ قوة إنجلترا البحرية في المحيط الأطلنطي، فإنها تحرص أيضاً على ألا تنتقص هذه القوة بانتقالها إلى المحيط الهادي لتواجه اليابان.
وحاولت إنجلترا بقفل طريق بورما، ومنع توريد الأسلحة إلى الصين أن ترضي اليابان وتضع حد لنزاعهما، ولكن الحزب العسكري في اليابان ثار فأعلن رؤساؤه عدم رضاهم عن الحكومة فاستقالت ليشكل غيرها على هواه، وكانت باكورة أعمال تلك الوزارة أن قبضت على بعض الرعايا الإنجليز مما أثار الحكومة البريطانية، ووقف عقبة في سبيل مفاوضات إنجلترا واليابان.
انقلاب عسكري
ولعل السر في هذا الانقلاب الياباني عقلية حزبها العسكري الذي يصبو إلى السيطرة على جميع آسيا، فهو يريد التخلص من منافسة إنجلترا لليابان اعتماداً على قوته، وقد أنبأتنا البرقيات أن حركة الحزب العسكري لا يقرها قادة اليابان البحريون الذين يعرفون مدى قوة الأسطولين البريطاني والأمريكي، وهم يعرفون أن الحرب مع إنجلترا وأمريكا صدام بين قوات بحرية أكثر منه بين قوات برية، فإن تردد أمريكا في دخول الحرب ينتهي بمجرد أن تدخلها اليابان، ويتولى أسطولها وقواتها العبء الأكبر من الحرب في الشرق الأقصى.
وتدل حركة اليابان الأخيرة على الوسائل التي تلجأ إليها ألمانيا لتحبط حركات إنجلترا