إذا تحدثت لقراء الرسالة عن الحبشة فإنما أتحدث عن بلاد تربطها بالشعوب العربية روابط عديدة اذكر منها على سبيل المثال إلى جانب الجنس واللغة، الدين والجوار. الشعب الحبشي في مجموعه سامي حامي، ولفظ حبشة إن دل على شيء، فإنما يدل على تلك القبائل التي استوطنت بلاد العرب الجنوبية ولعبت دوراً هاماً في التاريخ المعيني السبائي. والتاريخ يحدثنا أن هذه القبائل، اعني قبائل حبشة، هاجرت من بلاد العرب الجنوبية حوالي القرن العاشر قبل الميلاد واستوطنت الجزء الشمالي من بلاد الحبشة فأطلق على ذلك الجزء اسمها. ومن ثم عمم العرب هذه التسمية فأطلقوها على هذه البلاد الواقعة بين خطي عرض ٤ و١٥ شمال خط الاستواء. فسكان البلاد الذين أطلق اسمهم على تلك البلاد عرب وعرب خلص نزحوا من بلاد معين وسبأ في عصر كان يطلق فيه بحق على بلاد اليمن بلاد العرب السعيدة حيث المدنية زاهرة والحضارة زاخرة. نزحت تلك القبائل إلى القارة السوداء فحملت معها كثيراً من معالم الحضارة العربية الجنوبية من دين وكتابة وعلم وأدب، فغزت العقول كما غزت البلاد، وأقامت هناك الدعائم الأولى للحضارة الأثيوبية وأزالت العقبات التي كانت تعترض تقدم العقل الإفريقي ومهدت للديانات السامية السماوية كاليهودية والمسيحية والإسلام بفتح تلك البلاد وتثبيت إقدامها. نزلت قبائل الحبشة ذلك الصقع الإفريقي فوجدت فيه عنصراً إفريقياً وأخر حامياً انفصل عن أرومته السامية الأصلية فامتزجت بهما وتكون من هذا المزيج الشعب الحبشي الحالي، فهو إذاً شعب مركب من عنصر إفريقي قديم، وأخر حامي أو كوشي، وثالث سامي. فنحن نرى من هذا أن سكان البلاد ينتمون إلى جنس هو جنسنا، ولسانهم، قديمه وحديثه، ينتمي إلى الأسرة السامية الحامية التي تضم كثيراً من اللغات كالعربية والمصرية القديمة. وقد عرضت لإثبات هذه العلاقة بين الأحباش والساميين أسطورة حبشية قديمة تتصل عناصرها بقصة من قصص الكتاب المقدس والقران الكريم اعني قصة ملكة سبأ وسليمان. فالأسطورة الحبشية ككثير من الأساطير تتحدث عن تنين عظيم كان يحكم البلاد قروناً عديدة وكان على جانب عظيم من البشاعة والشراهة إذ كان يفترس يومياً ما لا يقل عن عشرة بقرات