ومثلها من الثيران وألف رأس من المعز ومائة من الضان وكثيراً من طيور السماء إلى جانب ما يقدم له من العذارى، فضاق السكان به ذرعاً فلجئوا إلى شخص اشتهر بالقوة يسمى (انجابو) وفاوضوه في أن يقتل التنين ويتولى هو الملك عليهم، فقبل (انجابو) وقتل التنين وتولى الملك وانجب ابنة تسمى (ماكدا) وهي التي تعرف في التاريخ باسم ملكة سبأ ودخلت ملكة سبأ في حرم سليمان، وفي طريقها إلى بلادها وضعت غلاماً أسمته (ابن حكيم) أو ابن سليمان، وهو المعروف في التاريخ الحبشي باسم (منليك الأول) مؤسس الأسرة السليمانية التي جلست على عرش الحبشة من (٩٥٠ ق. م إلى ١٨٥٥ م.). فمن هذه الأسطورة تعرف العلاقة بين الفرعين الساميين من ناحية، ونفهم الحكمة في أن نجاشي الحبشة يعتبر نفسه أسد سبط يهوذا الذي رمز إليه في العلم الحبشي بأسد متوج شاهراً بيمينه صولجان القوة والجبروت.
وكما أن بلاد الحبشة هي الملتقى لهذه العناصر السامية الحامية، فهي الأرض التي نجد من بين سكانها الوثنيين واليهوديين والمسيحيين والمسلمين. فالوثنيين يدينون بوثنية تحمل إلى جانب طابعها الأفريقي طابعاً أسيوياً يمنياً، فإلى اليوم ما زلنا نقرأ في الكتب الحبشية والآثار الأدبية كثيراً من الألفاظ الوثنية القديمة مثل (محرم) اله الحرب، و (عستر) اله السماء، و (مدر) اله الأرض، و (بحر) اله البحر. والى اليوم أيضاً ما زال أصحاب هذه الديانة يلعبون دوراً هاماً في التنافس القائم بين المسيحية والاسلام، فمن بين العشرة ملايين نسمة التي يتكون منها الشعب الحبشي نجد نحو ثلاثة ملايين يدينون بالمسيحية التي ادخلها المبشرون البلاد في القرن الرابع الميلادي، وأصبحت دين الأسرة الحاكمة الرسمي عام ٣٥٠ م عندما اعتنقها الملك (عزانا). أما البقية الباقية من السكان فكثرتها تدين بالإسلام ولا يقل معتنقوه عن خمسة ملايين نسمة. ومن الجدير بالذكر هنا أن قبائل كثيرة مسيحية ووثنية أخذت تسارع إلى الدخول في الإسلام في السنوات الأخيرة حتى أزعج ذلك كثيراً من الدول الأوربية فسارعت إلى مكافحته والوقوف في وجهه. وهذا التنافس بين الإسلام والمسيحية ليس حديث عهد في الحبشة. فالتاريخ الحبشي نفسه يحدثنا أن تاريخ المسيحية هناك عبارة عن سلسلة متصلة الحلقات من الكفاح لتثبيت قدمها ومقاومة انتشار الإسلام. ولعل أهم عصر يتجلى لنا فيه هذا الصراع الديني هو الزمن الممتد ما بين عامي ١٥٤١