للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[دولة الأدب في حلب]

سيف الدولة بن حمدان

للدكتور محمد أسعد طلس

ما نعرف أن حلباً أو الشام كله قد أصاب عهداً أحفل بالعلماء والأدباء والشعراء والحكماء والأطباء من عهد سيف الدولة أبي الحسن علي بن عبد الله بن حمدان عظيم الدولة الحمدانية؛ فقد كان بنو حمدان (ملوكاً أوجههم للصباحة، وألسنتهم للفصاحة، وأيديهم للسماحة، وعقولهم للرجاحة؛ وسيف الدولة مشهور بسيادتهم وواسطة قلادتهم، وكان رضي الله عنه وأرضاه وجعل الجنة مأواه غرة الزمان وعماد الإسلام ومد به سداد الثغور وسداد الأمور، وكانت وقائعه في عصاة العرب تكف بأسها، وتنزع لباسها، وتفل أنيابها وتذل صعابها وتكفي الرعية سوء آدابها. وحضرته مقصد الوفود، ومطلع الجود، وقبلة الآمال ومحط الرحال، وموسم الأدباء، وحلبة الشعراء. ويقال إنه لم يجتمع قط بباب أحد من الملوك بعد الخلفاء ما اجتمع ببابه من شيوخ العصر ونجوم الدهر، وإنما السلطان سوق يجلب إليها ما ينفق لديها، وكان أديباً شاعراً محباً لجيد الشعر شديد الاهتزاز لما يمدح به وكان علي عالماً وفقيهاً يناقش العلماء ويطرب لمحادثتهم ومناظراتهم كما كان شاعراً له الشعر الجيد والتشبيه الملكي، ولم يبق لنا الدهر من شعره إلا نحو خمسين بيتاً ذكرها من ترجم له وأكثرها مذكور في اليتيمية، ومن أجود شعره قوله:

أقبله على جَزَع ... كشرب الطائر الفَزعِ

رأى ماءً فأطعمَه ... وخاف عواقبَ الطمعَ

وصادف فرصة فدنا ... ولم يلتذ بالجُرعِ

وهو كما ترى شعر لطيف يدل على خفة روح ورشاقة خاطر لما تضمنه من صور سريعة وجميلة. ومن أجمل شعره أيضاً بل من أجمل الشعر العربي في موضوعه قوله في وصف ساعة من ساعات اللذة زانها ساق صبيح وقوس قزح رائع:

وساق صبيح للصَّبوح دعوته ... فقام وفي أجفانهِ سنة الغَمض

يطوف بكاسات العُقار كأنجم ... فمن بين مُنفضْ عليها ومنقض

وقد نشرت أيدي الجنوب مطارقاً ... على الجو دكناً والحواشي على الأرض

<<  <  ج:
ص:  >  >>