يُطرزها قوسُ الغمام بأصفر ... على أحمر في أخضر تحت مبيضِّ
كأذيال خَوْد أقبلت في غلائل ... مُصبَّغة والبعض أقصر من بعض
هذا والله الشعر المرقص لما فيه من صور حية ومعان جميلة، ولا سيما تلك الصورة الفنية الرائعة للقوس بألوانه الجذابة واستدارته الرائعة. وقد كنت أود أن أجمع هنا ما انتثر من شعر أبي الحسن في بطون كتب الأدب ولكني أرجئ هذا إلى أن أظفر بشيء أكثر مما جمعت.
أما عناية أبي الحسن بالعلم فما كانت أقل من عنايته بالأدب ورجاله فقد كان مغرماً بنفائس الكتب وجياد الآثار العلمية. وقال الحافظ الذهبي في تاريخ الإسلام:(كان بجامع حلب خزانة كتب كان فيها عشرة آلاف مجلدة من وقف سيف الدولة وغيره). وكان معنياً أيضاً بجمع الأطالس والآلات الفلكية، فقد ذكر الأستاذ أحمد تيمور باشا أن في دار الكتب المصرية نسخة مصورة من أطلس قيم ينتظم أشكال الكواكب وأطوالها وهي مما ألف للأمير العالم سيف الدولة بن حمدان. وكان يستكثر من الحكماء والأطباء والفلاسفة ويقربهم من مجلسه ويشجعهم على التأليف والترجمة ونشر العلم. . . قالوا: وكان إذا أكل الطعام وقف على مائدته أربعة وعشرون طبيباً، وكان فيهم من يأخذ رزقين لتعاطيه علمين، ومنهم من يأخذ ثلاثة لتعاطيه ثلاثة علوم، وفي دائرة المعارف الإسلامية:(أن الفضل الذي ناله سيف الدولة بنشر العلم والأدب واللغة لهو مجد عظيم لا يقل عن مجده في أعمال السياسة والحروب).
وأما عطاياه التي كان يغدق على أهل العلم والأدب فحدث عنها ما شئت. وقالوا: إنه صنع دنانير خاصة للهبات والعطايا زنة كل دينار منها عشرة مثاقيل، وكان على هذه الدنانير اسمه وصورته وقد عقد الثعالبي فصلاً في انفجار ينابيع جوده على الشعراء. قال أبو الحسن الحمداني: كنت واقفاً في السماطين بين يدي سيف الدولة بحلب والشعراء ينشدونه، فتقدم إليه أعرابي رث الهيئة فأستأذن الحجاب في الإنشاد فأذنوا له فأنشد:
أنت عليُّ وهذه حلب ... قد نفد الزاد وانتهى الطلبُ
بهذه تفخر البلاد وبالأ ... مير تزهى على الورى العربُ
وعبدُك الدهرُ قد أضرَّ بنا ... إليك من جور عبدك الهرب