[من شعر الشباب]
السحاب
مُزْجِي الشتاءِ بخيله وبرجْلِهِ ... والمنذرُ الدنيا بوشْك إيابِهِ
يَشْجُوك من ماشٍ على لَممِ الرُّبَى ... طَرَّاقِ أَجْوازِ المدى جوَّابه
تسعى جنودُ البرد تحت جناحه ... والريح والإعصار حول ركابه
حيث انتحى أَرخى مسائح دَجِنْه ... وتجلَّلَ الآفاقَ جَوْن حجابه
ورمى على شمس الضحى بمسوحه ... وطوى محياها دُجى جلبابه
ليس الربيع بمانعٍ رَجَعَاتِهِ ... رغم الربيع ورغم وَفْرِ شبابه
فإذا دنا انقبض الفؤاد تطيُّرَا ... بقدومه من بعد طول غيابه
وأثار في النفس القنوط وأشفقتْ ... من ثِقْلِ خطوته ومن إِلبابه
فإذا سرى بردُ القِلال مخالطاً ... أجزاَءه وانسلَّ في أعصابه
أوْهَى عُرَاهُ وفَتَّ في أوصاله ... فانصبَّ ملَء السهل في تسكابه
فَجَرَتْ عيون الأرض بعد جفافها ... وروى نبات الأرض من أكوابه
في كل غابٍ دَاغِنٍ أو غَيْضَةٍ ... غَدِقَتْ غَوَاديهِ وأفرغ ما به
وبكل قاع مُمرعٍ ويفاعةٍ ... توقيعُ وكَّافِ النَّدَى صبَّابه
وبكل منحدرٍ تدفُقَ مَشْرَعٍ ... ينساب في إزباده وحبابه
لم يُلْفِ شيئاً ثم يشكو جَدْبَهُ ... ظمآنَ إلاَّ لَجَّ في إخصابه
حتى إذا أفنى غزيرَ شؤونه ... همْياً وأَنْفَدَ كلَّ ما بِوِطَابِه
وسخا على الوادي الينيعِ بروحه ... وعلى ثناياه وبين شعابه
وَلَّى وغادر بعده أَسلابه ... تزهو بقاع الأرض في أسلابه
تتمايد الأَعواد في أندائه ... طرباً وتَغْدَقُ في نَقِيِّ رُضابه
فأعجبْ لأسودَ ذي يدٍ بيضاء لا ... ينفكُّ يُسبغ من شهيِّ رغابه
جهم المحيا لا يُرام لقاؤه ... والجودُ والبركاتُ ملءُ إهابه
عَبَسَتْ لغُدْوته الرياضُ فإن مضى ... هشَّتْ لفيض يديه بَعد ذهابه
وترقرقت في كل روض قُضْبُهُ ... مُخْضَلَّةً رَيَّاً بِبَرْدِ شرابه