مدرسة الرسالة، لها طابعها الخاص، في المساجلة والنقاش على هذا أسست، وامتحنتها الأيام بضروب من المحن، فثبتت على الزعازع، وانتصرت على الأغراض والأهواء. يعلم ذلك من تابع (الرسالة) منذ مولدها الميمون إلى حاضرها الزاهر.
فالرسالة للجميع بلا تفضيل ولا إيثار. لأن البحث والدرس يلدان الحقيقة التي كانت نشدة أصحاب العقول منذ خلقت الفلسفة وبهما تقررت الحقائق وثبتت، ولم يسفها التضليل مع السافيات.
إذا تقرر هذا، فليسمح لي الزميلان: الطنطاوي والعماري، أن ألفت نظرهما في رفق إلى مزالق ما كنت أحب لهما أن يتورطا فيها، أو ينحدرا إليها فقد راع الأول أن يقول أستاذ البلاغة في الجامعة (الله يقول لنبيه: يا أخي أنت حارق نفسك ليه؟). وراح يزعم أن هذا إشراك وكفر، ويستعدى على الجامعة والجامعين، ويثير الناس ليداركوا أبناءهم أن يجرفهم تيار الشرك والإلحاد!
بالله هوِّن عليك يا علي!، فليس ثمة شرك ولا كفر، وأنت أخبرُ الناس بذلك، وأدراهم أن هذه الكلمة قد فقدت حقيقتها في أفواه الناس، ألم تسمع إلى الفلاح يهز حماره، ويقول يا أخي سِرْ! أفتراه قصد أخوة النسب أو الرضاع، أو الآدمية، أو الحمارية. لا: إنما هي كلمة تحننٍ وتعطف! وشبيه بهذا قول السائق لحصانه: يا شيخ! والنظائر في هذا أكثر من أن تحصى.
فلا تُرَعْ، ولا تستنفر وأبق على الجامعة والجامعيين، ودَعْ حديث الكفر والإلحاد فقد جنت مصر ثمراً مراً في دهر طويل، كانت حَرِيّة أن تصرفه فيما يفيد ويغنى!
ثم اللغة العربية، ليست لغة الإيمان والإسلام، فقد سبقت الإيمان والتوحيد بقرون طويلة، فإن أبيْتَ إلا أن تخرُج لغة مؤمنة مسِلمة موحدة، فدونك فامنع دراستها في كلية اللغة ودار العلوم بمصر، ودار العلوم ببغداد، وأنشئ لك اللغة المباركة التي ولدت مسلمة وشبت مسلمة، ثم أدعنا، وأنا - إن شاء الله - لمستجيبون! وأظن هذه لمحة دالّة في علاقة اللغة بالإيمان والإسلام. فإن غُمْت فسنفرد لها مقالا خاصاً يضم الشتيت ويجمع المتفرق.