وأما أنت يا عماري، فكنت بمنجاة من اللوم، إذ عرضت للأسلوب الذي تدرس به البلاغة في الجامعة فلكل امرئ فيما يحاول مذهب، وما كنت أحب أنه سيغريك نقدد الأسلوب بنقد الآراء، فأما إذا انحدرت إلى هذا فهُلمّ!:
(١) تقول: (إن الفكرة المتسلطة علي في هذا الفن أن يجعل لكل عبارة من عباراته منبعاً لمعان نفسية).
إي نعم، يا علي، أأنت قرأت تعريف البلاغة؟ إن الذي لا يخلف فيه اثنان هو أن البلاغة مطابقة الكلام لمقتضى الحال ولا أزيد بياناً ولا بسطاً، ولكن هذه المطابقة لا تكون إلا إدراك المتكلم لنفسية السامع وما تحوي من ملابسات، فهذا هو فحوى كلام الأستاذ الخولي، أفتماري في هذا؟ إذن فهات تعريفك أنت لعلم البلاغة فأنا منتظرون!.
(٢) تقول: (أن الأستاذ لا يؤمن بالماديات الصرفة، ولايستحسن تشبيه الفرس بالثلج في البياض)؛ فهو ذاك يا صاح! فإنه لا يجمل إلا حيث يكون للبياض مزية كالمساعدة على الاختفاء، وعدم ظهوره في آل الصحراء، فأما إذا لم تعتبر هذه المزية فلا فضل لأبيض على أبلق أو كميت! وذلك هو ما قصد إليه الأستاذ من تنبيهه على تفاهة التفضيل المقتضى للتشبيه في بيت ابن الزَّبير الأسدي.
(٣) عاب أستاذ الجامعة البيتين:
ولازوردية تزهو بزرقتها ... بين الرياض على حمر اليواقيت
كأنها بين قامات ضعفن بها ... أوائل النار في أطراف كبريت
وخلاصة العيب أن الشاعر شبه صورة بصورة في الوضع واللون، ولم يلتفت إلى ما وراء ذلك من إيحاءات وأفاعيل، ينتظرها السامع من شاعر!
وقد خالف عليه الأستاذ العماري بأن الفن يوجد في المعاني كما يوجد في الماديات.
وليس هذا بالكلام يصغى إليه، فالماديات بحتة لا تأثير لها وإنما التأثير لما يتعلق بها من مِعانٍ، أفإن قلت: إن تمثال الزهرة كالزهرة كنت مشبهاً تشبيهاً مصيباً مؤثراً، لا إنه لاعتبار إلا لما يوحيه ويستلزمه هذا التشبيه من دقة الصناعة والمهارة في المشاكهة بين زهرة الورق أو الصلصال وأختها الطبيعية الحية.
يا سيدي: إن مثل التشبيه في البيتين في خلوه من الروح كمثل من يرى بقعاً من دم قتيل