للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[فلسفة التربية]

كما يراها فلاسفة الغرب

للأستاذ محمد حسن ظاظا

- ٢ -

(الفلسفة بوجه عام هي المحاولة المتكررة للوصول إلى معرفة

منتظمة مفهومة لصور وعلاقة ومعنى ومحمول الأشياء)

(بولزن

رأيت في المقال السابق ذلك (التقدير النزيه) الذي تقُوّم به الفلسفة عملية التربية، وتبينت إلى أي حد ترتفع التربية بذلك (التقدير) وتسمو على سائر التجارب الإنسانية. وأحب اليوم أن أتنقل بك إلى العلاقة بين الفلسفة والتربية، والى فحوى فلسفة التربية لدى الإنجليز والأمريكيين على الخصوص، تمهيداً للكلام على مسائل أخرى تختص بأغراض التربية ومنهجها، وتطبيقات العلم والديمقراطية عليها.

العلاقة بين الفلسفة والتربية قوية إلى أبعد حد. بل أن (جون ديوي) الفيلسوف الأمريكي الذي يحمل لواء التربية في هذا العصر يذهب إلى القول بأن الفلسفة اليونانية - وهي أول فلسفة دقيقة معروفة - لم تنشأ إلا من ضغط مسائل التربية على عقول المفكرين. وإذن فلم يكن (الطبيعيون الأولون) عنده إلا فصلاً في تأريخ العلم! أما الفسطائيون وسقراط، فأولئك هم الذين اضطرتهم شئون التربية في عهدهم إلى أن (يتفلسفوا)! فكان لنا منهم كلام في التربية تأدى بهم إلى كلام في الفلسفة!!

ومهما يكن من أمر هذه المبالغة الظاهرة في كلام (ديوي) فلا شك أن التربية لا تستطيع أن تستغني قط عن الفلسفة، لا في غاياتها ولا في تقدير وربط نتائج علومها الكثيرة بعضها ببعض. بل نحن إذا نظرنا في مسائل الفلسفة الكبرى وجدنا أن أغلبها يقوم محوراً لعملية التربية ذاتها.

ولقد كانت الفلسفة إلى ما قبل (العلم التجريبي) مجرد نظريات ومبادئ تخوض في متاهات ميتافيزيكية كثيرة. أما اليوم بعد أن نجح هذا العلم في إقناع العالم بنجاحه وجدارته، وبعد

<<  <  ج:
ص:  >  >>