للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[رسالة العلم]

الحرب والرياضيات

للأستاذ قدري حافظ طوقان

تتقدم فروع المعرفة ويتناولها التغيير والتبديل، وكلما اقتربت من الأرقام زادت دقة ونحَتْ نحو الكمال. قال أحد الفلاسفة: (يكون العلم دقيقاً إذا استعمل العلوم الرياضية في بحوثه. . .) ولم يستطع العلماء أن يستفيدوا من فروع الطبيعة أو الهندسة ولا أن يتفننوا في صنع السابحات في السماء، والعائمات على الماء، ولا أن يغوصوا إلى أعماق البحار، ولا أن يطوّقوا القارات بالأسلاك الكهربائية، وأن يملئوا الجو بعجيج الأمواج اللاسلكية، وقد حملت على أجنحتها الأنباء والأخبار والصور - أقول لم يستطع العلماء أن يسيطروا على الطبيعة هذه السيطرة القوية إلا بفضل الرياضيات.

قد يكشف العالم بعض النواميس الطبيعية، ولكن لا يستطيع أن يتوسع فيها، ولا أن يخضعها لتقوم بأعمال المدنية الحديثة المعقدة إلا إذا استعان بالرياضيات.

فلقد أحدث اكتشاف (فراداي لإحداث التيار في لفة السلك حين أمرارها في حقل ممغطس أثراً بعيداً عظيم الخطر في الصناعة. . . هذا الاكتشاف قد يبدو بسيطاً ولكن أليس من العجيب المدهش أن كل الصناعات الكهربائية بنيت عليه؟ والأعجب أنه لم يكن في الإمكان جعل هذه الصناعة بمحركاتها ومولداتها في حيز الإمكان إلا حينما دخلت الأرقام والمعادلات قوانين (فراداي) بعد توسيع نطاقها.

ولقد تنبأ (فراداي) أيضاً بأنه لا بد أن يأتي يوم يثبت فيه أن هناك صلة بين الضوء والاهتزازات الكهربائية المغناطيسية في الأثير، ثم جاء كلارك ماكسويل العالم الرياضي الشهير، وبعد درس وتحليل خرج بمعادلات رياضية أثبت منها أن في الفضاء اضطرابات كهربائية مغناطيسية تتصف بصفات الضوء، أي أن الاضطرابات الناشئة من شرارة كهربائية تبدو في مظهر أمواج في الأثير لا نراها، ولكنها كالأمواج التي تُحدث الضوء والحرارة والطاقة الكيميائية تسير جميعها بسرعة الضوء التي هي (١٨٦٠٠٠) ميل في الثانية. وجاء بعد (ماكسويل) غيره من العلماء وجروا على القواعد التي وضعها فأحدثوا هذه الأمواج وأرسلوها في الفضاء مسافة ثم التقطوها، وبذلك صار تحقيق التلغراف

<<  <  ج:
ص:  >  >>